ذ. النملي يتساءل عن: البطالة بآسفي.. هل من التفاتة؟
بقلم: ذ. عبد الله النملي
تقع مدينة آسفي على المحيط الأطلسي، بين مدينتي الجديدة والصويرة. و وفق التقسيم الجهوي الجديد الذي قلّص عدد الجهات من 16 جهة إلى 12 جهة، أصبحت آسفي تنتمي إلى جهة مراكش آسفي. وتحتل المدينة مكانة مهمة في الاقتصاد الوطني، فمنذ عشرات السنين، تمكنت المدينة من التموقع كقطب صناعي على الصعيد الوطني. فالمدينة بما حباها به الله من موقع جغرافي استراتيجي وإطارها الطبيعي المتميز، و ثرواتها المنجمية ( الفوسفاط، الجبس، البارتين)، علاوة على الواجهة البحرية المطلة على المحيط الأطلسي، كلها مؤهلات ساهمت في استقطاب المدينة لأنشطة اقتصادية في قطاعات متنوعة ( معالجة وتعليب الأسماك، المطاحن، استغلال الثروات المنجمية..). وقد كشفت إحصاءات سنة 2013 أن الصناعة بآسفي تساهم ب 12 بالمائة من مجمل الاستثمارات على الصعيد الوطني، وأن صادرات المدينة تشكل 8 بالمائة من مجموع الصادرات الوطنية نحو الخارج.
وتتمركز بمدينة آسفي أزيد من 120 مؤسسة صناعية، تشغل حوالي 13000 عامل، أما رقم المعاملات فيقدر بحوالي 3 مليار درهم. ومن بين الصناعات التي تتميز بها مدينة آسفي نجد الصناعات الكيماوية والغذائية، إضافة لصناعات النسيج والصناعات التحويلية الفوسفاطية. وتعتبر الصناعة التحويلية أهم صناعة بمدينة آسفي، حيث تقوم بتحويل 6.100.000 طن سنويا، لكنها من جهة أخرى تعتبر الملوث الأساسي للبيئة مقارنة بالصناعات الأخرى. وبلغ الإنتاج الصناعي بآسفي سنة 2013 قيمة 13.67 مليار درهم، حيث تساهم الصناعات الكيماوية والشبه الكيماوية بالنصيب الأكبر، أي ما يعادل 83 بالمائة من قيمة الإنتاج الصناعي، تليها الصناعات الغذائية التي تشكل منتجاتها 13 بالمائة من الإنتاج الصناعي الإقليمي، ثم الصناعات المعدنية والميكانيكية، وأخيرا صناعات النسيج والجلد. ويعتبر القطاع الصناعي بآسفي فاعلا أساسيا في خلق الثروة، إذ ساهمت الصناعات الكيماوية والشبه كيماوية بما نسبته 84 بالمائة منها، ويليه قطاع الصناعات الغذائية بما يصل إلى 15.66 بالمائة. ويتبوأ قطاع التجارة والخدمات بآسفي مكانة هامة، وتكمن أهميته في مزاولة 27 بالمائة من الساكنة النشيطة لأنشطة تجارية وخدماتية. كما أن إحداث سلاسل التوزيع الكبرى بآسفي ( مرجان، أسيما، كارفور) يعتبر رافعة مهمة لعصرنة القطاع على الصعيد المحلي.
وتعد الصناعة التقليدية نشاطا مهما في الاقتصاد الوطني والمحلي، إذ تساهم بنسبة 8 % من الناتج الداخلي الخام، حيث لعبت دورا فاعلا في إبراز الموروث الثقافي والفني للساكنة. وتتمثل أهمية القطاع في تنوع الحرف (أزيد من 40 حرفة ما بين إنتاجية وخدماتية)، وتتفاوت حركتها حسب طبيعة وحاجيات الساكنة، ومرتبطة أساسا بقطاعات الفخار والخزف، والنسيج التقليدي. وتبقى صناعة الفخار والخزف الصناعة الحرفية الأكثر انتشارا ونفوذا، ويمكن اعتبارها قطب الفخار والخزف على الصعيد الوطني.
وحتى الأمس القريب، كانت آسفي عاصمة جهة دكالة عبدة، تفوق مساهمتها في الناتج الداخلي الوطني الخام ثلاث جهات مجتمعة، وهي غنية بثرواتها البحرية، حيث تأسست بها منذ الثلاثينات صناعة تصبيرية عرفت ازدهارا مدهشا، بسبب توافر الثروة السمكية التي يزخر بها ساحل آسفي، و وفرة اليد العاملة، حيث اهتم الرأسماليون الأجانب بالاستثمار في صناعة الصيد البحري وتصبير السمك، وتعددت بها المصانع إلى أن وصلت إلى ثمانين وحدة، إلا أنه سرعان ما بدأت بوادر أزمة تهدد الصناعة السمكية بآسفي، بسبب الانخفاض المستمر للإنتاج، الناتج عن تلوت ساحل المدينة وهجرة الأسماك نحو السواحل الجنوبية. فبعد أن كان ميناء آسفي أول مصدر للسردين في العالم والمشغل الأول بالإقليم إلى جانب وحدات التصبير، أصبح اليوم يتراجع سنة بعد أخرى.
وغني عن البيان أن آسفي أول إقليم مصدر للمعادن، إذ يزخر باطن أرضها على ثروات طبيعية هامة، أهمها البارتين والجبس، كما كانت تشكل آسفي ثاني مدخر من الثروة الوطنية للفوسفاط بعد إقليم خريبكة. وبسبب هذه الثروة تم إنشاء المركب الكيماوي بآسفي كأضخم مشروع صناعي بالمغرب. وبفضل الصناعات الكيماوية بآسفي تمكنت خزينة الدولة من تحقيق عائدات كبرى بالعملة الصعبة. ورغم كل هذه الثروة التي تتوفر عليها آسفي، تصنف المدينة ضمن المدن الصناعية المتأزمة رفقة خريبكة وجرادة، وهي مدن تعيش مرحلة تحول نشاطها الصناعي. كما أن جاذبية آسفي ضعيفة إذا ما قورنت بجيرانها، فالقيمة المضافة للفلاحة بآسفي لا تتعدى 13 في المائة، بينما تصل إلى 27 في المائة بالجديدة، والمساحة المسقية بآسفي ضعيفة لا تتجاوز 1.4 في المائة، مقابل 12.8 في المائة بالجديدة.
وتناهز ساكنة مدينة آسفي 508 308 نسمة، في حين يصل معدل الكثافة بالمدينة إلى 4238 نسمة في كلم2، وبذلك تحتل مدينة آسفي المرتبة الأولى على مستوى جماعات الإقليم، والمرتبة الثانية على مستوى جهة مراكش آسفي. وقد عرفت الساكنة الحضرية لآسفي في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا. وتتميز التركيبة السكانية لمدينة آسفي في سنة 2014 بأهمية الفئة العمرية للشباب، حيث يمثل أقل من 6 سنوات نسبة 10% ، ومن 6 سنوات إلى 14 سنة 14.5 % ، في حين تبلغ نسبة المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و 59 سنة، 64.6 % ، أما نسبة المتجاوزين 60 سنة فتمثل 10.8 % . و تقدر نسبة النمو السكاني للمدينة سنة 2014 ب 0.89% .
وتتميز مدينة آسفي بساكنة شابة، أكثر من اثنين على ثلاثة ينتمي إلى هذه الفئة، وحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير، يعتبر القطاع الخاص مزودا رئيسيا للمدينة ( 48.9% من الأجراء يعملون في القطاع الخاص)، في حين أن نسبة أجراء القطاع العام تمثل17.7% ، هكذا يشغل هذان القطاعان أكثر من نصف ساكنة المدينة من العمالة النشيطة، وهو ما يشكل واحدة من خصائص مدينة آسفي باعتبارها مدينة الأجراء. وبلغ معدل النشاط المحلي حسب الإحصاء العام لسنة 2014 إلى 48% . أما معدل البطالة بالمدينة فبلغ 24.6%، وحسب الجنس بلغ معدل البطالة لدى الذكور 19.5% ، بينما بلغ عند الإناث 37.2% .
ونعتقد أن السبب في ارتفاع نسبة البطالة بآسفي، راجع بالأساس إلى كون المدينة مقصية تماما من البرامج الحكومية التنموية الكبرى، وغياب تهيئة المنطقة الصناعية السفلى، والتأخر في إخراج المنطقة الصناعية الكبرى بخط أزكان، فضلا عن أن المدينة صارت بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا، تنتج الثروة ولا تستفيد منها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن إدارة الفوسفاط بآسفي لا تساهم في عمليات تشغيل حاملي الشهادات المجازين و التقنيين وخريجي مراكز التكوين، رغم إحالة العديد من العمال على التقاعد. وكان من المفروض أن تقوم إدارة الفوسفاط، بين الفينة والأخرى، تبعا لمبدأ الملوث المؤدي، بالمساهمة في تشغيل بعض حاملي الشهادات، وإحداث بعض المشاريع التنموية، كجزء من المسؤولية الملقاة على عاتق إدارة المركب لامتصاص البطالة المتفاقمة بآسفي، غير أن مسؤولي هذه الإدارة شكلوا ومنذ سنين استثناءا بآسفي، وكأن قدر هذه المدينة مع هذه المؤسسة لا يعدو نفت وطرح التلوث في سمائها ومحيطها. إذ لم يسبق أن فتحت هذه الإدارة الحوار مع المعطلين، أو شغلت ولو معطلا واحدا من معطلي جمعيات المعطلين بآسفي، الذين يحتجون سنوات من أجل الحق في الشغل، ويطالبون إدارة الفوسفاط بفتح باب الحوار وتحمل المسؤولية في تشغيل أبناء المدينة، والحظوة بالأسبقية على من سواهم من المدن الأخرى، أسوة بالجماعات الترابية بآسفي التي كانت دوما المشغل الأول للمعطلين بآسفي رغم محدودية الإمكانيات .
كل ذلك جعل آسفي على رأس المدن التي تعرف نسبة بطالة عالية من حاملي الشهادات، بطالة تكاد تعشش في كل بيت وأسرة، حتى أن أعداد المحتجين والمنظمين في إطارات وجمعيات وتنسيقيات المعطلين بآسفي من حاملي الشهادات، وضحايا النجاة وخريجي المعاهد ومراكز التكوين والجامعات في تزايد مستمر. تحولوا مع مرور الوقت إلى مشهد يؤثث كل فضاءات المدينة من خلال أشكالهم النضالية المتراوحة ما بين ترديد الشعارات والوقفات والإعتصامات والمسيرات والعرائض التي وصلت قبة البرلمان، حتى أن بعضهم قضى حتى الآن أزيد من عقد كامل وهو يناضل من أجل الوظيفة، وتكبد في سبيل ذلك كل صنوف الإهمال والتجاهل والتسويف، فيما يعيش آخرون بين مطرقة البطالة القاتلة وسندان التقدم في السن، والتي تعد بمثابة الخروج بالبطاقة الحمراء من رحلة البحث عن الشغل، والانطلاق نحو عوالم المجهول، حتى سمعنا عن شباب من آسفي يغرق في قعر المحيط، بحثا عن فرصة عمل في الضفة الأخرى.
ولا يتعدى ما يقوم به المارون بجوار المعطلين المحتجين بآسفي سوى الوقوف للحظات ثم التأسف للحال الذي آل إليه مصير خيرة شباب آسفي، الذين توزع عليهم الوعود العرقوبية. ولا يتجاوز أعداد الذين يحتجون ضد البطالة بآسفي المئات، وهذا قد يعطي الإنطباع الزائف بأن البطالة بآسفي لا تمس قطاعات واسعة من الباحثين عن الشغل، لكن هؤلاء ليسوا سوى الشجرة التي تخفي غابة البطالة المتزايدة بالإقليم. وفي استقصاء لعدد من حاملي الشهادات الذين تقدموا بطلبات التوظيف، أكد أغلبهم أنهم لا يثقون في المباريات التي تنظم، ويعتبرونها مجرد إجراء شكلي، وأن الحصول على وظيفة مهما كانت، يتأتى بما يستطيع الفرد تقديمه وعلاقاته بمن يستطيع التوسط، تبعا لمنطق الشعار الشهير لحملة الشهادات الذي يقول أن ” الوظيفة بالمعرفة والمناصب بالطريفة ” أما الشهادة فآخر ما يلتفت إليه بحسب بعضهم.
ولعل ما يحز في النفس بآسفي هو أن تجد العديد من المسؤولين والمنتخبين والمتنفذين من الكائنات السياسية التي ابتلي بهم الإقليم، يتصرفون في الملايير، وهم ممن لم يستطيعوا تجاوز عتبة الإبتدائي، أو ممن تحصلوا على الشهادة الإبتدائية بطرق ملتوية، بينما لا يملك الشباب المتعلم خريجو الجامعات و المعاهد ومراكز التكوين، حتى ثمن شفرة الحلاقة أو تذكرة السفر أو نقوذ الحمام. ولا غرابة في ذلك، حيث أن بعض المسؤولين بآسفي ومنذ سنين خلت، كانوا في منأى عن السؤال، وكأن مكنسة التطهير ممنوعة من ولوج آسفي،حيث كانت الطريق سالكة لهم ليتصرفوا في الإدارات والمال العام بمنطق الضيعة والبقرة الحلوب، لا يبغون عنها فكاكا. وقد اتخذوا من بعض المؤسسات والجماعات أوكارا لهم، ولم يعملوا إلا على تنمية الجيوب والأرصدة بدل تنمية المدينة، حتى تحطمت سفينة تنمية المدينة.
لقد ظلت آسفي ولعقود طويلة تجتر حالة التهميش و الركود الذي حولها إلى مدينة تعج بالمعطلين. ونعتقد أنه في ظل تهميش المدينة و الجمود الذي يطبع علاقة الحكومات بآسفي، فإن المدينة مرشحة لمزيد من التهميش و بطالة حاملي الشواهد، سيما أن مناصب الشغل بآسفي لا يستفيد منها سوى الراسخون في عمق المحسوبية و القرابات والولاءات الزبونية والإنتخابية.
إن الشغل بآسفي تحول من حق إلى امتياز، وغيابه يعني اعتبار المعطل رأسا من رؤوس القطيع الذي لا يبحث سوى عن الكلأ لتحقيق غريزة البقاء.
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…