الملك يضع البرلمان أمام لحظة الحقيقة: «جيل جديد من التنمية… وعقلية جديدة للحكم»

في خطاب افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة من الولاية البرلمانية الحالية، قدّم الملك محمد السادس ما يمكن وصفه بـ”خارطة طريق أخلاقية وتنموية” للمرحلة المقبلة، مذكّرا الفاعلين السياسيين بأن زمن التبريرات انتهى، وأن البلاد على أعتاب تحوّل حقيقي يقتضي تغيير العقليات قبل القوانين.

الملك لم يخاطب هذه المرة فقط نواب الأمة داخل قبة البرلمان، بل خاطب من خلالهم كل منظومة الوساطة السياسية والإدارية والاجتماعية، من أحزاب ومنتخبين وإعلام ومجتمع مدني، داعيا إلى تعبئة جماعية من أجل تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية حقيقية، وليس مجرد تكرار لشعارات استهلكها الخطاب العمومي لعقود.

الرسالة المركزية كانت واضحة: المغرب الصاعد لا يُبنى بالبرامج الورقية، بل بثقافة النتائج والمساءلة.

فالتحول التنموي الذي يتحدث عنه الملك يتجاوز “الزمن الحكومي والبرلماني”، وهو تذكير بأن التنمية ليست رهينة دورة انتخابية أو ولاية تشريعية، بل مشروع مستمر تتراكم فيه المسؤوليات ولا تتقادم الأعذار.

ولعل أقوى ما حمله الخطاب هو التركيز على ضرورة تغيير الذهنيات الإدارية والسياسية، والانتقال من منطق تدبير الوقت إلى منطق صناعة الأثر. فالملك انتقد بشكل غير مباشر ما وصفه بـ”الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات”، وهي إشارة إلى البيروقراطية والتردد وضعف التنسيق بين الفاعلين، خصوصا في تدبير الاستثمار العمومي.

أما على المستوى المجالي، فقد وضع الخطاب خريطة أولويات واضحة:
1. المناطق الجبلية والواحات التي ظلت لعقود خارج radar التنمية.

2. السواحل الوطنية كقاطرة للاقتصاد البحري وفرص الشغل.

3. المراكز القروية كبديل ذكي للتوسع الحضري الفوضوي، وفضاء لتقريب الخدمات من العالم القروي.

بهذا المعنى، يتجاوز الخطاب التوصيف السياسي إلى نداء إصلاحي شامل، يُعيد ترتيب العلاقة بين المواطن والدولة، ويطالب البرلمان بأداء دور تأطيري حقيقي، لا أن يظل مجرد غرفة للتصويت على القوانين.

إنها، باختصار، لحظة الحقيقة للطبقة السياسية: إما أن تواكب “المغرب الصاعد” بعقليات جديدة وإيقاع أسرع، أو تبقى خارج الزمن الوطني الجديد الذي يرسمه الملك بخطاباته الأخيرة.

> في الختام، يمكن القول إن الخطاب الملكي لم يكن مجرد افتتاح لدورة تشريعية، بل إغلاق لمرحلة سياسية وفتح لأخرى، عنوانها: النتائج أولا… والعذر مرفوض.

مدير النشر