‫الرئيسية‬ منوعات فسحة رمضان (22)
منوعات - 13 أبريل 2023

فسحة رمضان (22)

ذكريات عبرت ...فأرخت .. أنصفت وسامحت

هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّــتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي …في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما ” اٌلْقَدَرُ” كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَ عَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ ” أَبْطالٍ ” بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَ اٌلْكِبْرِيَاءِ وَ اٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ “لَهيبِ الصَّهْدِ” جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ و انْكِسارَاتِهِ ، وَ جِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، و عَبْرَ دِفَّتَيْهِ ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ …بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ ، وَ اٌلْحُزْنِ وَ الأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ …وَ عَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ ، و أَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ …يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي “توفيق الوديع ” دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ و مَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى وآخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ و البَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَ تَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ …

أعدها للنشر : منير الشرقي

توفيق الوديع

الشبح الذي عاد حيا من معتقل الكوربيس…!!


عاد الآسفي من معتقل الكوربيس نحيف الحالة بعد سنة ونصف من الاختفاء القسري

كان الاستنطاق قد انطلق، قبل وصولنا، و حين توجه رئيس الفرقة نحو الآسفي، الذي لم يترجل من سيارته، و سأله :
السّي اليوسفي … تفضل معنا …
… أنا الآسفي و يُنادونني باليوسفي كذلك فعمّن تبحثون ؟
ارتبك الضابط و استدار نحو معاونيه مستفسرا عن هوية المبحوث عنه، أهو الآسفي أم اليوسفي …
” إنهم هكذا متضامنون في كل شيء، اعتقله وسنبحث معه لاحقا … إن كان اليوسفي فهو صيد ثمين، و إن كان الآسفي … فهذا مرادنا و قد نجحنا في كل الأحوال .
بثقة في النفس وحزم طلب منهم التريث قائلا : ” حتما مدة اعتقالي سـتـطـول و يـلـزمـني أخـذ جلابية لأتقي بها بـرودة فصل الشتاء المقبل … و رأفة بكم حتى لا أموت في حضرتكم …”
عند وصولنا إلى مكان الاعتقال توجّهت لهُ قائلةً :
” انتبه لنفسك، و انتبه لجرحك الذي لم يبرأ بعد، والله معاك …… أوصيكم به خيرا السيد رئيس الشرطة ، فجرح يده غائر و وجب الاهتمام به …
كان الإحراج باديا على الضابط الذي رد قائلا :
” حين طلبت من الله، يا سيّدتي، أن يكون معه لم يعد لنا دور … انتهى كل شيء … خصوصا و أن دوري محصور في إيصال المعتقل إلى وجهة لن أعلمها … و أقصى ما يمكن أن أسدي من خدمة هو إعادة السيارة إلى المنزل حتى لا تضيع ”
هكذا اختُطف الآسفي مرّة أخرى ورُحّلَ إلى المجهول …
بمجرد ذهابهم، حلت آسيّة لتحية الصباح الربيعية و كانت قد صادفت في طريقها سيارات سوداء تسير، على شارع جرادة، بسرعة جنونية
عـنـد وصولها، وجـدَتـني تحت وقـع الصّدمة في محاولةً لاسـتـيـعـاب ما حدث والـتـهـدئـة من رَوْع الأطفال، عانـقـتـنـي … وضعتُ رأسي على صـدرها و لأوّل مرّة أحسستُ بسند … كمْ كنتُ بحاجَة إليه …

ثريا السقاط ونجلتها أسية الوديع في مواجهة محنة أخرى بعد اعتقال رب الأسرة …

انْتبهتْ سامية لعمّتها و قد تسربلت من عينيها دَمعتان ، وارتسمت على شفتيها تلك الابتسامة التي رافقتها في أحلك الظّروف … ربّتتْ على كتفي صغيرة أخيها و استمرّت :
” كانوا قد أخذوه مرة أخرى، و لكني كنتُ مُتفائلة … لأنّني ظننتُ أنّ صفتي المهَنيّة ستمنحني حقّ السؤال ومتابعة المُخْتطِفين … كانت الوالدة قد اطمأنّت وأنا أذكّـرها بـوضعيّتي القانونيّة وما تخـوّلُه لي من إمكـانـيّـات …”
لم تكن آسيّة قد أنهت كلامها، استمرّت ثريّا،حتى دُقّ جرس الباب و جرى توفيق لفتحه أملا في عودة الأب
” لقد عادوا يا والدتي، ألم أقل لكم إنهم … عائدون …”
هرولتُ طبعا وراء الطفل الذي كان قد فتح الباب بكثير تفاؤل … لكنّ صدمته كانت قوية حين لم يجد على الباب إلا ثلّة من أشخاص بقامات ضخمة … حاصرته، فلم يجد إلا حضني للاحتماء ومداراة وقع المفاجأة … حضَنْتُه طبعا فقد كنت متيقنة من عودتهم، لا محالة، من أجل البحث عن وسائلَ إثبات تورّط الآسفي في مشاريع مؤَامرات على أمن الوطن …
وقفت في وجههم، منعتهم من التقدم إلى الأمام و طالبتُهم الاطّلاع على التّرخيص بالبحث الصّادر عن وكيل ملك المملكة .
– و ادفعها و ادخل … قالها الشاب الثالث في الصف .
– انـتـبـهـوا إنها على كل حال متعلمة ومن الواجب احترامها … راها فقيهة …”
أحمد الله أنهم كانوا يحترمون المُعَلّمين و الأساتذة في ذلك الوقت .

دخلوا جميعاً إلى حديقة المنزل وسألوا عن الغرفة الخاصة بجدكم و حين كان ثلاثتهم في خضم البحث داخلها، كان رابعهم يحاول استدراج الأطفال إلى حديث، ربما استخلص منه معطيات مفيدة في أبحاثهم .
حين طلبت منهم آسية تقديم هوياتهم و إثبات صفاتهم ، والإدلاء بأمر السّماح لهم بالبحث الصادر عن السيد وكيل الملك، انتفض كبيرهم قائلا بنبرة لا تخلو من وعيد :
– ما عملك يا سيدتي، حتّى تسمحي لنفسك بمُساءلتنا، يجب أن تعلمي أنّ لنا كلّ الصّلاحيّات لاعتقال من يعرقل مهامّنا … و حتّى أن يُسائلنا …
– أنا نائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالبيضاء،
عندها عدّل من طريقة تواصُله وقال :
– في هاته الحالة ألستم من وجب تسليمنا أمر الاعتقال والبحث ؟ أعلم جيدا أنهم لم يخبروكم ولو شفويّا .يجبُ أن تعلمي، يا سيّدتي،أنّ الأوامر تصدر من جهات لا تحترم أية مساطر قانونيّة و تأمرنا تعنيف من يجرؤُ على وضع مثل هاته الأسئلة، وما معاملتنا المتميزة لكم إلا لأنّنا نعلم مدى وطنيّة والدكم الذي يحسب له ألف حساب ، وكذلك لحِرْصِ والدتكم على عدم التَّمْييزِ بين تلامِيذِ فصلها فأبناؤنا و أبناء رُؤسائنا من تلامذتها، و رغم ذلك فهي تُتابعُ دراستهم عن كثب، بغضّ النظر عن مسؤوليّات آبائهم فيما يقع … و هذا في حدّ ذاته موقفٌ يُحسبُ لها …
كانت فرقة البحث مستمرّة، تُضيفُ ثريّا، في عملها حين وقع بصر أحدهم على صورة تجمع الآسفي بالمهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد، محمد البصري و عبد الرحمن اليوسفي فالتفت نحوي متسائلا : هل تعلمين من هؤلاء ؟
أجبْتِ دونَ تردُّد قائلةً :
” إنهم إخوانه الحقيقيون، فهو مؤمن بأن أخُوّة الدم ماهي إلا نِتاجُ تلاقُح طبيعيّ و ليست هي أساس الاختيارات، بـل الأخُوَّة هي أخوّة الـمـعـتـقـدات و القيم و المرامي و هي التي تحدد طبيعة العلاقات الإنسانية ”
و كانت المرّة الأولى التي تـقـع عينَيَّ على مسدَّس حقيقي تمنطقه الـرّجُـل، و كان قد رفع يديه إلى الأعلى، دون انتباه منه، باحثا عن مجموعة وثائق كانت موضوعة أعلى الرّفوف .
خِفْتُ و تمنّيتُ، مع ذلك، لو أستطيعَ تمكُّني من ذاك السّلاح …
الله يهدي السي محمد على ولادو وْ صافي، قالها الضابط و هو يَهُمُّ بالانصراف
” و الله يهديكم نتوما على بلادكم باش تخليّوه يتهلا فعائلتو كلها “، أجابت الوالدة بثِقة كبيرة في النّفس.
كانوا يهُمّون بمُغادرة المنزل، حين وصل الأخ الأكبر، غير الشقيق، للوالدة ” حبيبي العلمي ” الـعـامـلُ الـبـسـيـط الذي ورث حـرفة الحاج أحمد السّقاط و كرمَه، و حين فهم ما وقع … قرّر الإقامة بيننا حتّى عودة الآسفي، أرسل في طلب زوجته و الأبناء، و كان لا يهدأُ لهُ بال حتّى تراهُ عائدا في آخر النّهار مُحمّلا بـقـُـفـّته الـمليئةَ بكلّ أنواع الخُضر و الفـواكه، و حين كانت الوالدة تلاحظ عليه كثرة الإنفاق كان يكتفي بالإجابة :
” هي وصيّةُ الحاج أحمد السقّاط لي وهو يحتضر : ” انتبه لثريّا، و رافقها حين يُعتقلُ الآسفي و لا تُفارقها إلا و هو بين أحضان أبنائه ” و هكذا كان و لم يُفارقنا إلا عشيّة إطلاق سراح الوالد .

التعليقات على فسحة رمضان (22) مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

مدينة الجديدة تستبشر بعاملها الجديد: القيادة بالحكمة والعزيمة

في خطوة تبعث الأمل والتفاؤل، حظيت مدينة الجديدة بتعيين عامل جديد، هو السيد «امحمد العطفاوي…