‫الرئيسية‬ منوعات فسحة رمضان 17
منوعات - 8 أبريل 2023

فسحة رمضان 17

ذكريات عبرت ...فأرخت .. أنصفت وسامحت

هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّــتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي …في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما ” اٌلْقَدَرُ” كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَ عَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ ” أَبْطالٍ ” بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَ اٌلْكِبْرِيَاءِ وَ اٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ “لَهيبِ الصَّهْدِ” جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ و انْكِسارَاتِهِ ، وَ جِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، و عَبْرَ دِفَّتَيْهِ ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ …بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ ، وَ اٌلْحُزْنِ وَ الأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ …وَ عَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ ، و أَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ …يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي “توفيق الوديع ” دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ و مَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى و آخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ و البَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَ تَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ …

أعدها للنشر منير الشرقي

بيت الوازيس ..قبلة المناضلين … !

بقلم توفيق الوديع

الوديع الآسفي رفقة عبد الرحيم بوعبيد وقياديين من الحزب

بعد إطلاق سراحي، تكلّفْتُ، فيما تكلّفتُ، بالتنظيم الحزبي شمال المغرب : الـقـصـر الكبيـر، العـرائش ، تطوان و طنجة ، و فيها تعـرفـت عـلى رجال و نساء قاوموا المستعمر وظلوا أوفياء للعهد الذي قطعوه على أنفسهم من أجل بناء مغرب مستقلّ ديمقراطي ومتحرر، و من النوادر التي وقعت لي في إحدى رحلات عودتي إلى البيضاء، أن استوقفني دركيّ للتحقق من هويتي واستخلاص ذعيرة عدم احترامي لإشارة مرور لم أنتبه لها … و لم أكن أتوفر على مبلغ الذعيرة …
كان الدركيُّ ضابطا، وله صلاحية استصدار أوامر و أحكام باسم جلالة الملك … و هكذا قرر توقيفي ساعة من الزمن … ” باسم جلالة الملك ” …
أخذت جرائدي، و على رأسها جريدة التحرير، افترشتُ الأرض ورحت في مطالعتها دون اكتراث بمن حولي … في انتظار نهاية المدة المحكوم عـليَّ بها . فـوجئ بـرد فـعـلي … فـاسـتـفـسـرني عـن مجال اشـتـغـالي … و علامات الإحراج بادية عليه …
أشتغل بالسياسة والتعليم، أنا عضو مؤسس لحزب القوات الشعبية …
لم يترك لي أي مجال لإكمال إجابتي، قاطعني قائلا ” أنتم من حرر المغرب و ناضل من أجل إرجاع ملك البلاد، أنتم فخرنا و لكم محبتنا ” نزع قبعته احتراما لي … و فسح لي الطّريق لأرحل متى شئت..
شكرته طبعا وبروح دعابة مبطّنَة سألته ” و ماذا عن قراركم بتوقيفي ساعة باسم جلالة الملك ؟ … هل أعطوكم حق إصدار العفو ”
ارتبك وردّ برباطة جأش ” أنتم حماة الوطن و حماة عاهل البلاد ، ورغم الاختلاف ، فبفضل نضالاتكم حققتم وستحققون حتما استقرارا لهذا الوطن، و لولاكم لكنا لا نزال تحت وطأة المستعمر ، والملك الراحل لا زال في منفاه … “.
و حين أردت التعقيب بادرني قائلا :
واسير فحالك آ الآسفي راه حتى ملّي سولت عليك المركز بالراديو قالوا لي طلقو راه جلاخة … ولا دبر راسك معاه …!!!
روح دعابة جدّكم، كانت متفرّدة ورائعة رغم ندرتها … فبحكم ما كان يعيشه من عدم استقرار يومي واحتمالات تعرُّضه في أيَّةِ لحظة للاختطاف، فضَّل أخذ مسافة بينه و بين جميع أبنائه درء لِتعَلُّقٍ ربَّما أثّر على مساراتهم الدراسية ، لكنه لم يكن يترك الفرصة تمر دون التعليق بنكتة على حادث أو تسجيل موقف حازم غير هيّاب من تبعاته .. تدخَّلت ثريا موضحة جانبا من شخصيّة رفيق دربها وخصوصا سبب التقلُّبات التي كان يعرفها مزاجه!… و استمرّت …
أتذكّر أنّهُ في إحدى المناسبات، و كان قد استغلّ العطلة الصيفيّة، كعادته، للاطّلاع على أحوال الحزب هناك في الشّمال أحسّ برجل أمن يراقبُهُ عن كثب، في حلّه و ترحاله، و لم يكن الأخير قد فطن أنّ الآسفي قد كشَفهُ ولا أنا على كُلّ حال ، حيثُ تفاجأتُ به مُتوجّها نحو غريب يأخذُ قهوتهُ جوارنا قائلا :
برنامجي اليوم هو كالتّالي :
بعد هذا الفطور، سأذهبُ إلى مقرّ الحزب حيث سأجتمعُ مع مولاي علي البقّالي، و بعد ذاك ساُرافقُهُ للغذاء عند فلان الفلاني و بعد الاستراحة سنأخذ شايا في المكان الفلاني، و المساء سأخصّصُهُ للنّزهة رُفقة عائلتي … إذن بإمكانك الانصراف و خذُ إجازة منّي …
شكره رجل الأمن … و انصرف
و هـنا لابـد مـن التذكير بـأن والـدي تعامل بـذكـاء مع كـلّ هـاتـه الـمـراحل ، و عرف كيف يحيل أجواء الاحتقان أكثر دعابة .”
لم تترك، أم يوسف، الفرصة تمرُّ دون تذكير والدها ببعض الوقائع التي اقتسموها والصّهر الجدّ الحاج أحمد السقاط ، و التي نعت في إحداها الآسفي بالغول …
” كيف ذلك يا عمّتي … و هل بّاسيدي غول ؟ ” تساءلت أسامة …
كان ذلك أواسط ستينات القرن الماضي حين وعد جدكم أفراد عائلة السّقاط بمرافقتهم بسيارته لاستقبال خالتي ليلى بمطار النواصر، وهي تعود من فرنسا حاملة شهادة الدكتوراه. انتظار العائلة كان طبعا على أحرّ من الجمر، وفي خضم انشغالاته، سها الوالد عن الموعد، و كان منزويا في غرفته كعادته، يتتبّع الأخبار فالوضع العام لم يكن على ما يرام …
طلب الحاج أحمد من صلاح ثم منِّي ومن أسماء، لمرّات عديدةً، تذكير الوالد بالوعد والموعد، انتبه لتلكئنا … وحين فهم أنّنا لا نقوى على إيصال الرّسالة من فرط خوفنا، فلم يكن منه إلا أن وقف أسفل الدّرج المؤدي إلى الغرفة و صاح بأعلى صوته :
– سّي محمد ياسّي محمد وااا الغول …فأطل الوالد مبتسما : ما بك الحاج أحمد ؟
– أجي كولني عافاك و ملي تاكولني جيب ليا بنتي من المطار .. !!
خـرج الآسفي ضاحـكـا معانقا صهره، و تحول الجوّ من متوتّر إلى مـرح و انبساط …
هكذا كان جدُّنا أحمد، و هذا ما ورثه عنه أبناؤه و بناته …”
و ماذا عن الاستقرار بالوازيس يا جدّتي استفسر أسامة :
والدي كان سندي في البحث عن منزل نمتلكه خصوصا ، وأن مداخيلنا لم تعد تسمح لنا بتدبير ثمن الكراء ، وأصبح حصولنا على شُقّة بثمن في المتناول بعيد المنال ، فالنّاس لم تعد تأمن على نفسها إنْ غامرت واكترتْ بيتا لممتهني السّياسة من أمثالنا.

عبد الرحمان اليوسفي في آخر ظهور له ببيت آل الوديع بحي الوازيس بالدارالبيضاء

بعد بحث مضن استطعنا الحصول على البيت الذي أضحى يُسمّى باسم الحي الذي يقعُ فيه ” الوازيس “، وحين وثقنا عقد شرائه، عانقني، والدي، بعينين دامعتين ، وجلس أرضا هامسا في قرارة نفسه بتراتيل فهمت منها أنه كان يتلو آيات من القرآن الكريم ويصلي متخشعا ، و بعد ذلك قال بصوت عال ” حمدا لله، وهنيئا لك بنيتي … الآن أستطيع أن أنام قرير العين، فزوجك وهب حياته من أجل الوطن، و الله سهل له مأموريته بأن جعلك زوجة له، و منحه هذا المستقر الذي سيكون له شأن كبير، تذكري بنيتي بأن بيتك سيصير محجا في جميع المناسبات”.
لم يكن تدبير مبلغ الشراء بالأمر الهين ، فقد بلغ ستة عشر ألف درهم في زمان كان فيه الموظف يتقاضى دراهم معدودات . قمت ببيع بعض الحلي التي أهداني والدكم وجدكم، و اقترضنا طبعا، و وقعنا العقد .
كان المنزل عبارة عن مجموعة غرف، أسقفها من الآجور الأحمر المهترئ، الذي يسمح، بسخاء، بانسياب قطرات المطر كلما جادت السماء بها ، وكان لازما، إبان فصل الشتاء، وضع أسطل حديدية لاستقبال هذا ” السخاء “، و لكم أن تتخيّلوا حجم الضجيج الذي كان يُحدثُهُ صوت ارتطام تلك القطرات، بالسّطل … هي سمفونيّةٌ تعود الأطفال النوم على نغماتها .. !

ثلثا المنزل كان عبارة عن حديقة شاسعة، أخذ الأولاد على عاتقهم مهمّة تشذيب أشجار الفواكه التي كانت تحيط بها، أزهارها و كرمتها، التي كونت أغصانها سياجا حول جنبات المنزل ، و سقفا طبيعيا على الممر المؤدي من الباب إلى مدخل غرفة الاستقبال، التي أضحت مكتبة البيت فيما بعد .
كان علو ذاك السقف لا يتعدى المتر والستين سنتمترا، و هو ما كان يجبر بعـض أصدقاء جدّكـم، طويل الـقامة، الانحناء، طول الممر، عـند الـدخول و الخروج، و منهم على الأخص المقاوم محمد المكناسي الذي كان يحتج بشدة و بروح نكتة عاليّة و لا يتورع في نعث الآسفي بالقايد الذي استمرت مهنتهُ، رغم إقالته، وعمداً اقتنى منزلا يُجْبَرُ زائروه على الركوع عند الدخول و الخروج و كان يردّدُ في كلّ زياراته :
” أنت يا محمد، تنتقد الطقوس المخزنية و تجبرنا ضمنيا على الفعل نفسه، و هذا ما ورثته عن تَقيّاديت، علما أن طقوس الركوع في قصور الملوك تكون عند الدخول فحسب أما عندك فنحن راكعون دخولاً وخروجاً … ”

التعليقات على فسحة رمضان 17 مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

مدينة الجديدة تستبشر بعاملها الجديد: القيادة بالحكمة والعزيمة

في خطوة تبعث الأمل والتفاؤل، حظيت مدينة الجديدة بتعيين عامل جديد، هو السيد «امحمد العطفاوي…