فسحة رمضان 14
ذكريات عبرت ...فأرخت .. أنصفت وسامحت
هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّــتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي …في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما ” اٌلْقَدَرُ” كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَ عَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ ” أَبْطالٍ ” بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَ اٌلْكِبْرِيَاءِ وَ اٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ “لَهيبِ الصَّهْدِ” جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ و انْكِسارَاتِهِ ، وَ جِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، و عَبْرَ دِفَّتَيْهِ ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ …بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ ، وَ اٌلْحُزْنِ وَ الأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ …وَ عَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ ، و أَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ …يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي “توفيق الوديع ” دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ و مَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى و آخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ و البَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَ تَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ …
أعدها للنشر منير الشرقي
على ضفاف وادي بيتيس
بقلم توفيق الوديع
كنيسة الخيرالدا بإشبيلية…
بيتيس هو الإسم الذي أطلقه الإغريق القدامى على أطول نهر بالمنطقة التي ستصير عاصمة للأندلس فيما بعد، فهو مصدر للحياة، و على ضفافه بنيت عدة حضارات.
قرطبة، واشبيلية، أهم عواصم الأندلس، عرف اقتصادهما ازدهارا بفضل ذاك الوادي وقد غير ساكنو شمال إفريقيا، غزاة الأندلس، إسمه إلى الوادي الكبير بعد استيطانهم بالمنطقة .
على مشارف مدينة اشبيلية طلب أبو أسامة من ولي عهده استعمال جهازه GPS لتسهيل الوصول إلى عنوان الإقامة، الذي يقع في قلب المدينة العتيقة، على بعد خطوات قليلة من جل المواقع التاريخية …
من منكم يتذكر الأغنية التي كنتم ترددون في صغركم:
” تكشبيلا تيوليولا ما قتلوني و ما حياوني داك الكاس اللي عطاوني … الحرامي ما يموتشي…جات خبارو في الكوتشي ”
سألت ثـريا الكـبار وهي تـعـلـم جــّدا أن الصغـار لم يـتـعـودوا على الـرقـص و الغناء على مثل هاته النغمات كما في الماضي، فقد أخذتهم اللعب الإلكترونيّة والهواتف ” الذكيّة “، الشاشات المحمولة والموسيقى الصاخبة الحديثة
ردُّ الكبار كان بالإيجاب و أسامة كذلك …
استغرب العربي من ردّ الطّفل و سأله :
و ماذا تعنيه يا سليل أكبر بوحاطي في العائلة؟
” تِكشبيلة : تعني تلك إشبيليا
تيوليولة : سنعود لها ” مِنْ وَلىّ ”
ما قـتـلـوني و ما احياوني : لـم نمت من كثرة العذاب و تـركـونا بين الحياة و الموت .
داك الكاس اللي عطاوني : أثناء تهجير المورسكيين من الأندلس، كان بعض النصارى يجبرونهم على شرب الخمر حتى يسمحون لهم بالمرور، زيادة في احتقارهم و إذلالهم .
الحرامي ما يموتشي : المسيحي وبعد سبعة قرون ثأر لنفسه و حرر أراضيه …
جات اخبارو في الكوتشي : الكوتشي وسيلة نقل معتمدة على حصان صغير يجر عربة، كان المورسكيون يتلقفون أخبار الأندلس من القادمين الجدد على تلك العربات “،
بوركت يا بني أظن الوالدة هي من يحرص على تعليمكم هذا التراث …
” بلى يا جدّتي،أردفت سامية، و أعلم من خلال كتب التاريخ و قصصك أن طارق بن زياد هو من فتح أو … استعمر الأندلس ”
” هـو تاريخ،.وجب إعـادة قـراءته بتمعّـن و البحث في حيثياته و ظـروفه، و لكن ما يثلج صدري هو معرفتكم الدقيقة بهذا التاريخ، الذي جعلهُ الإسبان مصدر فخر و اعتزاز” أجابت ثريا و هي تربّتُ على ظهر حفيدتها .
و الآن وقد وصلنا إلى مقرّ إقامتنا ، لم تعد تنقصنا إلا الجرائد الوطنية اليومية … كان احتجاجا لم يستطع الآسفي الاحتفاظ به في دواخله، فقد دأب منذ عقود على اقتناء الجرائد مساء كل يوم فمطالعتها، قبل النوم، ضرورية ضرورة المأكل و المشرب؛ كان يتصفحها ليلا ويختار المواضيع التي سيطالعها مع وجبة فطور اليوم الموالي .
الجرائد الوطنية، هي طبعا صحف أحزاب المعارضة و جريدة العلم كذلك … فرغم اختلاف الرؤى فقد استمر في اقتنائها و حين كان رفاقه المقربون يستغربون تلك العادة كان يردّدُ ” إنها الرواسب يا أحبتي …” والرواسب طبعا تعني أن ما رسب في القاع … يصعب التخلي عنه .
بعد ليلة هادئة، استفاق الجميع على أصوات أجراس الكنائس، مستغربين تزامنها و يوم الجمعة … أتكون الساكنة لا زالت مصرة على جعل هذا اليوم يوم احتفال ديني رغم دحر المستعمر منذ قرون … !!!
العربي، الكسول المحب للنوم، حتى ساعات متقدمة من الصباح، طلب من أسامة إقفال النافذة، حتى يتسنى له الاستمرار في نومه الّلذيذ .
صاحت أم أسامة و هي تحضر قهوة الصباح ” و غي نوض العربي راه تحزمات الڭرعة بالفڭوس، ڭالت ليه أجي نقطعو الواد ” مُلمّحة إلى أنّ كسل أسامة في النهوض باكرا هو حتما إرث من عمّ أحبه الجميع و تعلق به أبناء الإخوة جميعُهم .
سامية استلذّت بدفئ حضن عمّتها و تباطأت في الاستيقاظ، فهي لحظات جميلة يقتسمان فيها عواطف مفتقدة، فالصبية لم تجد سواها عوضا عن الغياب الرّوحي، لجدة تحتضنها، فأم عادل لم تسمح لها ظروفها الصحّية لتأدية ذاك الدور، رغم محاولات الحاج عمر تعويض الغيابات …
لم تهدأ دقات الأجراس طول الصباح، و كانت العائلات متجهة بجميع أفرادها من الجد إلى الحفيد ، وهي في كامل زينتها للاحتفال بيومهم في صحن كنيسة الخيرالدا الرائعة .
كانت الساعة قد دقت العاشرة صباحا حين تحلق الجميع حول مائدة الفطور و كان الآسفي قد أخذ منه الجوع مأخذا، هو الذي لم يتعش بالأمس .
كانت الوجبة غنية، وإبانها حرص أسامة على تذكير عمه بأن فريقه المفضل غزا فريق المدينة بأهداف كثيرة، في حين أن الفريق الخصم لم يستطع حتى الحفاظ على التعادل … مُلَمّحا إلى فريق العمّ المفضل برشلونة.
” لماذا أنت هكذا، تصر على نرفزتي … لن أكلمك بعد اليوم وإلى والدتك أحتج رسميا، أما والدك فحتما هو مساندك … و غير ديموقراطي كعادته! ”
” أنا مـشـتـاقـة إلى إتـمـام حكـيـك يا جـدي، فهؤلاء مشاغـبون ليس إلا … و لنستمر فالحكيُ أخذنا، و أقترح أن يكون موضوع حكينا الثاني مرحلة من مراحل نضالكم بعد الاستقلال ” تدخلت سامية، مُتوجّهةً إلى جدّها بكثير من الإصرار .
أسية و شقيقها العربي الوديع
مدينة الجديدة تستبشر بعاملها الجديد: القيادة بالحكمة والعزيمة
في خطوة تبعث الأمل والتفاؤل، حظيت مدينة الجديدة بتعيين عامل جديد، هو السيد «امحمد العطفاوي…