‫الرئيسية‬ منوعات فسحة رمضان 13
منوعات - 4 أبريل 2023

فسحة رمضان 13

ذكريات عبرت ...فأرخت .. أنصفت وسامحت

هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّــتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي …في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما ” اٌلْقَدَرُ” كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَ عَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ ” أَبْطالٍ ” بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَ اٌلْكِبْرِيَاءِ وَ اٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ “لَهيبِ الصَّهْدِ” جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ و انْكِسارَاتِهِ ، وَ جِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، و عَبْرَ دِفَّتَيْهِ ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ …بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ ، وَ اٌلْحُزْنِ وَ الأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ …وَ عَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ ، و أَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ …يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي “توفيق الوديع ” دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ و مَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى و آخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ و البَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَ تَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ …

أعدها للنشر منير الشرقي

بداية الرحلة مع رفيقة الحياة ثريا السقاط ..

بقلم توفيق الوديع

قبلت، عمليّا، المبدأ وجميع الشروط، إلا الحصول على الشهادة الثانويّة تاريخًا لعقد القران فلم ألتزم به،
في إحدى زياراتي للأسرة، و كانت ربة المنزل غائبة، فاتحت الحاج أحمد، برغبتي في تدخّله لدى أم ثريا، للتنازل عن الشرط مع التزام أخلاقي بالحرص على استكمال ثريّا لدراستها … قبِل رغم توجّسه الذي فضحتهُ دموعه، فبقدر اقتناعه بي صهرا بقدر خوفه على ابنته من تقلّبات الحياة …
و كانت بداية مسيرة رائعة استمرت نصف قرن …
استمرت ثريا في دراستها، و أنا بموازاة إعطاء الدروس والحراسة كنت مـشاركـا في الحملات المناهـضة للاستعمار في أوساط الطلبة والساكـنة، و ذلك بالدعوات المستمرة إلى مظاهرات احتجاجية واجتماعات تأطيرية أدت إلى إبعادي عن مكناس وثريا غائبة عن المنزل …
عند عودتي ذات مساء من زيارة لأهلي، استطردت ثريا، كانت الصدمة قويّةً و أنا أكتشف العبث الذي طال ملابسنا وأثاثنا البسيط، فَهمْتُ أنّ الآسفي إمّا اعتقل أو رُحّل وكان عليّ البحث عن مآله … و أنا أقرب من السابعة عشرة سنة … و لم يكن سندي في هاته التّجربة إلا والدي الحاج أحمد …
كنت قد رُحّلت إلى مدينة البيضاء ، بمعية الصديق الأخ مصطفى بن العربي العلوي و الفقيه مصطفى بن أحمد .. يضيف الآسفي :
طبعا لم تكن لديّ أية وسيلة للتواصل مع ثريا، و أنا تائه في أزقة المدينة القديمة للبيضاء، و بحكم علاقتي المتميزة التي نسجت و صاحب الفندق الذي كنتُ أقيمُ فيه في طريقي من آسفي إلى فاس إبّان الدّراسة، فقد قبل استضافتي لبضعة أيام، و كم كان حدسك قويا، يا ثُريّا، و أنت تلتحقين بي هُناك .
بالفعل فقد كنتَ تحدّثني، و نحن في طريقنا إلى مدينة آسفي عقب عقد قراننا، أن المكان الوحيد الذي يمكن أن تتواجد فيه في هاته المدينة الغول هو ذاك الفندق .
تدبر لنا بعض الأصدقاء، يُضيفُ الآسفي، منزلا بسيطا بباب شّعفة الحي القديم بمدينة سلا … وبمجرد استقرارنا، اندلعت الأحداث التي أعقبت اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد ، وكنتُ من المسؤولين على تغطية المدينة بالمناشير الداعيّة إلى الإضراب العام والتظاهر … و كان الاعتقال الأول بعد الزواج … وهي تجربة ثريا الأولى في هذا المجال و لها أن تحكيها لنا …

انتفاضة المغاربة ضد اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد على يد عصابة من الفرنسين سنة 1952

تحكي ثريا : هي فعلا تجربتي الأولى ولن تكون الأخيرة، أردفت ثريا، و لكن الغريب في الأمر أنها علمتني معنى جديدا للحياة، مبنيا على الإرادة والتحدي. كانت فترة الاعتقال قصيرة، لم تتعد ستة أشهر … أمضاها بين سجن لعلو وسجن الرباط، و بعد إطلاق سراحه كان الاعتقال الثاني الذي دام سنتين، وذلك بعد نفي الملك وعائلته، لم يعد، جدكم، يعرف معنى للبقاء بالمنزل . بل التحق برفاقه بعد أن أوصاني خيرا بالأطفال و بتوطين النفس على كلّ الاحتمالات الواردة : الاعتقال، الاختطاف و ربما الاغتيال . اعتقل بالفعل ، و أحيل على المحكمة، و كان لابد من اختيار من يترافعُ عنه و قرّر توكيل محام مقتدر آنذاك الأستاذ …
أرجوك يا ثـريا عـدم ذكـر إسمه، فـقـد عاهـدت نفسي ألا أذكـره ما حـيـيـت و حتى بعد وفاتي لا مجال لذلك …
إذن أنت من ستحدثنا عن واقعة زيارته لك قبل الحكم و الترحيل، أجابت ثريا و الغضب واضح على محياها .
و هو كذلك، و أرجو ألا تغضبي من قراري و سأرضيك …
حلّ المحامي بالسجن في كامل أناقته، استمرّ الآسفي، و روائح عطر عالمي تطغى على رائحة الدخان الأمريكي المنبعث منه، أخذ مكانا منزويًا في الغرفة المخصصة لاستقبال المعتقلين و قال بعد السلام :
” أوفدتني زوجتكم ومجموعة من زوجات المعتقلين لمؤازرتكم في رحلة محاكمتكم، و أود أن أعرف من خلالك ظروف و أسباب اعتقالك ”
أجبت و أنا أعرف أنه على علم بمواقفي :
” اعتقلت جراء المظاهرات التي أعقبت ترحيل السلطان و عائلته والتي كنت فاعلا فيها مؤطرا و منظما”
“و لك سـوابـق كذلك في الـتـظـاهـر ضد السلطات المحلية “، أردف المحامي …
” بلى، و لكن كل تظاهراتي كانت سلمية ، و ربما تتحولُ، بعد هذا الاعتقال، إلى عصيان مدني إذا لم تعمل السلطات إلى إرجاع السلطان إلى عرشه … ”
“و مالك أنت و السلطان … نفيه أو إرجاعه… أنت مجرد مواطن بسيط لا يعلم عنك المَنفِيّ شيئا ، وحتى إن عاد فلن تستفيد شيئا، أنصحك بنسيان الموضوع جملة وتفصيلا، فالسلطان أدرى بمصالحه و ثرواته … و التي ربما حولها حيث هو، فقد تعاقد مع سلطات الحماية من أجل ذلك … لك أبناء لازالوا صغارا يحتاجون رعايتك… ”
لم أدعه يُتمّ ردّه، و كنت في ذهول لعدم قدرتي استيعاب ما يحدث، حتى أجبته بحدّة …
” أرجـو أن تنصرف الآن، و ألا تعـود يـوما لمؤازرتي و حتى لأصدقائي، و اعلم أننا على العهد سائرون و للوطن حافظون و على عودة الملك الشرعي إلى عرشه مناضلون و أنتم و أمثالكم حتما ستندحرون .”
عندما انتبه لرد فعلي حاول امتصاص غضبي و أمدّني بواحدة من سجائره الرفيعة
” شكرا و لكنني صائم فرمضان قد انتصف … ”
” و صائم فوق هذا و ذاك ؟”ردّ المحامي باستغراب
لم يندحر المحامي ، بل و بعد رحيل محمّد الخامس ، صار مستشارا للملك الشّاب، و ظل مقربا منه إلى أن التحق بدار البقاء .
التفت محمد نحو ثريا مبتسما :
ألم أشف غليلك بالإشارة إلى صفته حتى الرحيل؟ …
” لا لم تشف غليلي، لم أتفق طول حياتنا على قرارك بعدم كتابة مذكراتك، و ها نحن راحلون … غير تاركين للأجيال كثيرا من الحقائق والتي كانت ستعزز رأينا في طرُق التسيير ، وخصوصا طلبنا بالتأسيس لملكية برلمانية تعفي الملك من التدخل في كل القرارات، حماية لحقوق الشعب الذي ناضل من أجل استمرار الملكية كاختيار، وحفاظا على الملك من انتقادات هو في غنى عنها … وبالموازاة مع ذلك تحميل المسؤولية الكاملة للأجهزة التشريعية و التنفيذية و محاسبتها من طرف مؤسسات منتخبة، يكون الملك حَكَما في أقصى الحالات … كمّلْ آ الآسفي وخليني عليكْ فالموضوع طويل و عريض “.
يحكي الآسفي : حوكمتُ بسنتينن نافذتين، و رُحّلت إلى سجن عين علي و مومن ثم سجن العذير بعد ذلك …، و لم يكن رفيقي في الزنزانة سوى الشهيد عبد العالي بنشقرون الذي أعدم و أخوه بباحة السجن المذكور أوائل سنة 1957 .
لم يترك أسامة الفرصة تمُر، فله مع هذا السجن كثير من الذكريات و تدخّل قائلا :
” سجن العذير يقع ضواحي مدينة الجديدة فقد دأب الوالد على أخذنا، في كل زياراتـنا السياحية، للـتـرحم عـلى الشـهـداء الـذيـن أعـدمـوا في باحـتـه و الوقوف عـلى النصب التذكاري الذي نُـقـشـت عليه أسماء هؤلاء الشهداء و من بينهم الإخوان بنشقرون والذين حرصت على زيارتهم دوريا “.
بالفعل، يا بني، فعند ترحيلي من سجن لعلو، بعد المحاكمة، جمعني وعبد العالي نفس القيد … و يوم تنفيذ العقوبة كنا نسمع أصوات الشهداء تردد جميع الأغاني الوطنية بحماس قل نظيره متحدين غطرسة المستعمر …
و كيف هو حال السجن إذاً، سأل الآسفي، و منازل الموظفين المحيطة به ؟ لقد كانت بها حدائق رائعة، وكُنا نسهر على الاعتناء بها طول مدة اعتقالنا، كنت قد تكلفت بالإسطبلات و تربية الدجاج وهي المهمة التي تمثلت في التنظيف اليومي للفضاء الذي يأويها، و كم كان فسيحا، و كذلك السّهَر على رعايتها أكلا وجولانا في محيط السجن، و كان عدد رؤوس الدجاج يُحْسَب، طبعا، عند الدخول والخروج … و لم تكن المهمة سهلة و لكنها كانت تمكنني من الاسـتمتاع بطبيعة المنطقة وكـتابة بعـض الخواطـر كذلك …
تدخلت آسيّة، وبعد تنهيدة من الأعماق وكأنها أمام مسؤول إداري عن السجون الفلاحية : ” أشمن دجاج، واشمن كوارا … و حتى الجرادي مابقا والو و الديور تهدمات … أعتقد أن هناك رغبة مبيتة في إلحاق السجن بالمنتجع السياحي المحاذي و الذي لم يزدد إلا اتساعا منذ إنشائه ” .

عزيز الوديع أمام النصب التذكاري للشهداء المغاربة بسجن العادر

من أجل تغيير هذا الجو تدخَّلت ثريا مخاطبة الآسفي : و هناك أرّخت لعقد قراننا بقصيدة جميلة أليس كذلك ؟
فعلا، كُنتُ قد صُغتُ قصيدة ” العقد المقدس “.قبل تـرحيلنا من سجن لـعـلـو و فيها قُلتُ :
ذكـراكَ يا عَـقـدُ في الأعـماق تـتّـقـدُ ۩ يـسـري صداها بعـيـدا باسـما يَعـدُ
أُصغي بـروحي لما تُـذكـيه من نغـم ۩ تــكــادُ بـــه الألــبـابُ تــُفــــتــَقَــدُ
يـزهـو بـبهجـته عـبـر الأثـيـر و قـد ۩ عـمّ الصّفاءُ و ذاب الحُزنُ و الكَمَدُ
إن عـاقـني السّجْنُ عـن تقديم تذكـرة ۩ تُـذكي الـوفاء و ظلّي عـنْكِ مُبتعـدُ
فعـانـقـيه تـريـن الـقـلـب فـي شـغـف ۩ يـرنـو إلـيـْك و نار الـشّـوق تـُتّـقـدُ
فلتذكري الصبّ إن جنّ الظلامُ و قـد ۩ نام الـرّقـيبُ الذي يسطو و يرتعـدُ

التعليقات على فسحة رمضان 13 مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

مدينة الجديدة تستبشر بعاملها الجديد: القيادة بالحكمة والعزيمة

في خطوة تبعث الأمل والتفاؤل، حظيت مدينة الجديدة بتعيين عامل جديد، هو السيد «امحمد العطفاوي…