‫الرئيسية‬ منوعات فسحة رمضان 10
منوعات - 1 أبريل 2023

فسحة رمضان 10

ذكريات عبرت ...فأرخت .. أنصفت وسامحت


هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّــتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي …في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما ” اٌلْقَدَرُ” كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَ عَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ ” أَبْطالٍ ” بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَ اٌلْكِبْرِيَاءِ وَ اٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ “لَهيبِ الصَّهْدِ” جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ و انْكِسارَاتِهِ ، وَ جِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، و عَبْرَ دِفَّتَيْهِ ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ …بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ ، وَ اٌلْحُزْنِ وَ الأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ …وَ عَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ ، و أَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ …يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي “توفيق الوديع ” دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ و مَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى و آخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ و البَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَ تَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ …

أعدها للنشر منير الشرقي

الشابة الأمازيغية الجميلة .. وقصة الفطائر الساخنة

بقلم توفيق الوديع

الشابة ثريا السقاط زمن الدراسة

لم أصدق عينيَّ وأنا ألمحه فقد كان ملتحفا بلحاف الأرض ، وكان يشير إليّ للالتحاق به … تشككت في الأمر لكنّ الشّبح أصر حتى خلته يعاتبني على شكي فتقدمت غير هياب …
أشاح لحافه فكان صبية ذات جمال أمازيغي أخّاذ، أشارت بيديها إلى قطعة قماش بيضاء تغطّي كُثلةً وضعَتها حيث كانت تقف، واختفت قبل أن أصل إليها ، و كأن الأرض فُتحت و ابتلعتها …
على الصخرة، كانت قد وَضَعَت صحنا معدنيا به فطائر ساخنة ، كأنها خرجت للتو من الفرن ممزوجة بعسل حر وزبدة بلدية مع براد شاي ساخن و بعض البيضات المسلوقات .
لن أخفيكم، أنه رغم وقع المفاجأة عليّ، التهمت الوجبة بنَهم، فقد كنت قد افتقدت أمثال هاته الأطباق منذ مدة طويلة .
هو كرم بوادي وجبال وطننا، و تضامنٌ من نوع خاص كان مؤثر جدا بالنسبة لي … كانت الوجبة لـذيـذة وأحسست بإحـراج كـبـيـر لـعـدم تمكـني اقـتـسامها ورفاقي المعتقلين، فاهتديت إلى حيلة، حيث طلبت من القائمين على حراستنا تخصيص مساعد لي في مأموريتي الشاقة ، وهكذا أشركت رفاقي، على التوالي، وليمتي التي صارت يومية … و في كل الفصول بل وطول مقامنا بالمكان … و لم يجرأ أيٌّ منهم سؤالي عن مصدرها .
يوم انتهاء مدّة العقوبة، ونحن منشغلون بحمل أمتعتنا، عدت إلى البئر بعد طلب ملح مني لمرؤوسي … وكانت هناك … حيّتْني بلسان أمازيغي لم أفهم منه إلا تعاطفها معنا في محنتنا، حاولت أن أعبّر لها بالإشارة عن امتناني وشكري و قبل أن أتم … كانت قد اختفت إلى الأبد… كان الموقف مؤثرا و نبيلا .
و أنا أهم بالعودة إلى الحافلة التي ستقلنا حيث الحرية، تعثرت فيما كانت قد حضّرت الصبيّة … ولم أنـتـبـه له … كـانت قـد أحْـضَـرَتْ كل ما سأحتاجه ورفاقي من أكل وشرب في رحلة عودتنا …
هو الذكاء الأمازيغي، والحس الوطني الذي علّمها كيف تتخفّى لإنجاز مهمتها بنجاح . فقد كانت تختارُ لون لحافها حسب فصول السنة ، فهو أبيضُ بياضَ الثلج شتاء، و أخضر خضرة أشجار الأرز ربيعا، بنيٌّ بلون التربة صيفا ، وأصفر بلون أوراق الأشجار خريفا … فليس غريبا إذاً أن يُقرّ تشي غيفارا أنه تتلمذ على المجاهد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في طريقة إدارته لحروبه ضد المستعمر …
كانت الابتسامة قد علت محيا أم يوسف، وهي تتابع باهتمام بالغ تلك الحكاية التي طالما رددها الآسفي، وها هو يُصِرُّ على حكايتها للأحفاد كذلك … أهو درسٌ أراده نبراسا لكل نسله، أم إعجاب مستمر، أو ربّما هما معاً .


الوديع الآسفي بمنطقة حرارة موطن أصوله

إنه يلح على زيارة المنطقة سنويا ، منذ عرفته، باحثا عن الـبـئـر وصاحبته ” ذكّرتْ ثريا في هدوء”.
” أَعترف، استطرد الآسفي، أنني عدت إلى نفس المكان مرّات عديدة أملا في لقائها وشكرها ، فـفـرق شاسع بين امتناني لها وأنا مـعـتـقـل، و زيارتي لها وأنا حر طليق، و كمْ تمنّيت لو تعرفتم عليها فهي مناضلة، مغمورة، من أجل وطن حر وكريم … كانت من عُملة نادرة .”
انتبه محمد إلى حفيدته التي كانت تستعجل إتمام الحكي، فهي تعلم أن لقاء الجدّين كـان بعـد إنهائه لتلك العقوبة ومتشوقة لمعرفة التفاصيل ؛ فاستمرّ : ” بعد الإفراج عني رَحَلتُ، لزيارة الأهل بآسفي ، فقد علمت أن الحاج العربي قد جال كل القرى والمداشر بحثا عني، بعدما وصله خبر اعتقالي، كان متوجسا من اختفائي نهائيّاً، و مع ذلك وجدته منشرحا معتزا ببكره الذي صار حديث المدينة ، وصار الزعيم الذي يضرب له ألف حساب، فبمجرد علم السلطات بوصولي حتى سارعت إلى نشر مختلف أنواع الشرطة عبر أهم شرايين المدينة و كلفت مخبريها بتتبع دقائق تحركاتي”.
عدت إلى فاس، للالتحاق ثانية بالجامعة، إلا أن حُكْم الإبعاد عن المدينة كان قد فُعِّل ، إذ بمجرد وصولي كانت السلطات لي بالمرصاد، و تم ترحيلي إلى مدينة مكناس .
كان الملك محمد الخامس متتبعا لخطوات طلبة القرويين، و أمر بإلحاقنا كمدرسين بمجموعة مدارس النهضة، التي كان قد أسسها مجموعة من المقاومين بهدف فك العزلة عن المنفيين أولاً، وتوجيه رسائل إلى من يهُمّه الأمر مفادها أن أعلى سلطة في البلاد لا ترضى بأن يتعرض أبناء الوطن لهذا التّعامل، و أخيراً وليس آخراً السّهرُ على تكوين الطلبة على يد وطنيين شرفاء … يعلمونهم مبادئ الإسلام السمحة، و يجعلونهم متشبعين بروح الوطنية الصادقة .
كان المُستقر إذن بأحد أحياء مدينة مكناس ولي فيها ذكريات لا تنسى، فيها تعرفت على الفقيه العلوي الزرهوني الذي رافقني و آزرني طول مساري، وكان نعم الصديق والوطني النزيه، محمد المكناسي الذي حمل السلاح مقاوماً آليات المستعمر ، واستمر بنفس الروح مناضلاً من أجل أهدافنا في العيش في مغربٍ متميز إلى أخر حياته، ومن الطلبة من سيلتحق بركب النضال بعد الاستقلال و على رأسهم الشّاب محمد بنيحيى المناضل الصموت وآخرون ربما لن تحضرني أسماؤهم الآن ولكنهم بصموا مسيرتي …
تكلّفنا نحن الطلبة الوافدون بالإضافة إلى إعطاء دروس اللغة العربية، على الحفاظ على نظام دخول و خروج التلاميذ ، واصطفافهم تمهيدا لولوج فصولهم الدراسية .
و في يوم ممطر و بارد، كنت مسؤولا على تنظيم دخول التلاميذ، و كان وقت ولوج الأقسام قد حلّ حين انتبهت إلى شابة في آخر الصف، وصلت متأخرة ، و لم تكف عن الكلام بصوت مرتفع مما جعل النظام يختل، تقدمت نحوها و نهرتها، و كانت ذات شخصية قوية، رفـضت طـريقة تنبيهي لها والتي كانت بلكز خفيف، استشاطت غضبا مماّ جعلني أعالج ما اعتبرته وقاحة بصفعة قوية ، لم تنل منها شيئا بل ازدادت قوة و إصرارا للدفاع عن نفسها .
جرّتني بقوة من ربطة عنقي نحو إدارة المؤسسة محتجّة على طريقة التعامل الفجة ، من مدرس كانت تنظر إليه باحترام ووقار وهي تعلم مشواره النضالي ضد المستعمر …
كانت لا تزال تجرني من ربطة عنقي، رغم تدخل الطاقم التعليمي وعلى رأسه مدير المؤسسة، مطالبة بالاعتذار العلني أولا و قبل أي نقاش .
بعد مدّة ليست باليسيرة هدأت الأعصاب، و بقيتْ شامخة … كنت مذهولا من ردة فعلها ودفاعها المستميت عن كرامتها.
ما اسمك يا صغيرتي؟ سألها مدير المؤسسة وهو يربّت على كتفيها …إسمي ثريا السقاطية، والدي، أحمد السقّاط، بارع في صناعة السّروج التقليدية الجميلة ووالدتي غيثة بوهلال سليلة التاجر العالمي محمد بوهلال، الذي ذاع صيته عبر أنحاء العالم، إخوتي يدرسون بنفس المؤسسة وتلقينا جميعا أهم درس في الحياة و هو عزة النفس و كرامتها …
استأذنَتْ و غادرت القاعة … لأن دموعها لم تسعفها …

التعليقات على فسحة رمضان 10 مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

مدينة الجديدة تستبشر بعاملها الجديد: القيادة بالحكمة والعزيمة

في خطوة تبعث الأمل والتفاؤل، حظيت مدينة الجديدة بتعيين عامل جديد، هو السيد «امحمد العطفاوي…