فسحة رمضان 08
ذكريات عبرت ...فأرخت .. أنصفت وسامحت
هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّــتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي …في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما ” اٌلْقَدَرُ” كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَ عَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ ” أَبْطالٍ ” بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَ اٌلْكِبْرِيَاءِ وَ اٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ “لَهيبِ الصَّهْدِ” جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ و انْكِسارَاتِهِ ، وَ جِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، و عَبْرَ دِفَّتَيْهِ ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ …بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ ، وَ اٌلْحُزْنِ وَ الأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ …وَ عَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ ، و أَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ …يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي “توفيق الوديع ” دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ و مَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى و آخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ و البَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَ تَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ …
أعدها للنشر منير الشرقي
بفاس.. اشتغلت بإعداد مقالات أدبية بمجلة “الثقافة المغربية”
بقلم توفيق الوديع

الآسفي يتوسط زوجته ثريا السقاط و إبنته آسية الوديع
أما أنا فقد غمرني شعور عارم بالحبور و الفرح، و تمالكت نفسي حتى لا أُظهره … فقد كان أقصى ما يمكن أن أتمناه هو إتمام دراستي في ذلك الجامع العظيم … القرويين …
عند عودته في الظهيرة عاود سؤالي و كان قد ارتاب قبولي الذهاب دون شرط .
” هل لك أخبار عن أمور سير التعليم بفاس و تحركات الطلبة هناك …؟”
أجبت بالنفي و كنت صريحا، ولكني كنت كذلك على يقين بأنه حيثما وجدت جامعات تلقن مبادئ التربية الوطنية وُجدت خلايا محتملة للدفاع عن الوطن و الحرية .
حللت بفاس أوائل الأربعينيات، كان السّفر شاقًّا من آسفي ، و كان لزاما على المسافرين المبيت بمدينة الدار البيضاء فهي منتصف الطريق.
كان الحاج العربي يصر على مبيتي في ” فندق الاكسلسيور “، بالقرب من المحطة الطرقيّة و حيث كانت توجد محطة ” الستيام ” … و كان ثمن الرحلة لا يتعدى أربع ريالات فحسب ! .
عند حلولي بالمدينة العلمية أخذت ” الكوتشي ” الذي أوصلني إلى منزل العائلة التي أوصاها بي الفقيه الكانوني، كان الاستقبال حارا وفي مستوى العلاقة التي جمعت ربَّها بالفقيه .
كانت الأسرة تتكون من أب تاجر و ثري، أُم و أربع بنات في سن الزواج، لم تلج أيٌّ منهن ولو كُتّابًا، وقد فهمت منذ الوهلة الأولى أن الزوجان يبحثان لإحدى بناتهما عن زوج من مستواهما المادي ، ولو لم يكن فاسيَّ الأصل لأن المثل عندهم يقول : ” اختر لابنك الأصول واختر لابنتك الرجال ” .
لم أتأقلم مع الجو العائلي الممل، و بحكم التحاقي رأسا بالجامعة وربطي لعلاقات صداقة مع بعض الطلبة الذين كان همُّهم الأول، بعد الدراسة، هو العمل الوطني فقد تدخّل بعضهم، لصالحي، واستطعت الحصول على سكـن داخـل الحرم الجامعي، و ذاك غاية ما كنت أصبـو إليه … خصوصا وقد كان الجو بينهم حماسيًّا، فكان الانصهار كُلّيّا …
كنت متوجّساً من ردّ فعل والدي، على قراري الاستقرار بالحرم الجامعي، وبالفعل … فقد قوبلَ القَرارُ بالرّفض القاطع، رغم محاولاتي إقناعه بضرورة استقلالي عن العائلة، متذرعا بطول المسافة التي كنت أقطعها في الغدّو والرواح، و لكنّ إصرارهُ، اضطرّني الإفصاح عن الإحراج الذي كنت أعيشه من فرط تلميحات العائلة الفاسيّة اليومية بضرورة استكمال ديني والاقتران ببنت الناس ، فأنا ابن أمين جزاري مدينة آسفي المعروف بثرائه .
و أنا في زيّارتي الشّهريّة للعائلة، فاتحتُ الحاج العربي في الأمر … استمع بإمعان لكلّ دفوعاتي … و لكنه رفضها جملة و تفصيلا، بل وامتنع حتى عن مرافقتي لمعاينة الحجرة التي اكتريت بمعية باقي الطلبة.
حل الوالد بمدينة فاس للاستقصاء، و في أول لقاء مع ربّ الأسرة، لمّح للحاج بضرورة اقناعي بالارتباط بكبرى بناته، ففي ذلك أمان على حياتي من المخاطر المحدقة بالطلبة … و كذلك لتطوير مبادلاتهما التّجاريّة التي كانت حتما، ستعود بالخير العميم على الأسرتين و المدينتين كذلك .
تحمس الحاج العربي كثيرا للفكرة، و جالسني طويلا محاولا إقناعي بالمشروع الذي لم يكن ليأخذ ولو حيزا بسيطا من تفكيري … رفضت طبعا، وبقوة … فهدّدني بتوقيف مصروفي في الحين، بل وبإرجاعي إلى مسقط رأسي للاهتمام بتجارته، وهدّدني بالمنحى الخطير الذي ربّما عرفتهُ علاقتنا إن لم أذعن … تشبتت بقراري … عوتب والدي عتابا شديدا من طرف معارفه فقد كان المقـترح هدية لا تعوّض …
توقف المصروف طبعا، و اضطررت إلى الاعتماد على نفسي من يومها … ساعدني في ذلك مؤازرة أصدقائي الذين لم يبخلوا علي بحلول على رأسها إعطاء دروس خصوصية و تحضير ملاحق أدبية لبعض الجرائد المحلية و الوطنيّة خصوصا مجلة ” الثقافة المغربية ” و التي كان يديرها آنذاك الفقيه محمد غازي .
كانت ثريا تبتسم وهي تستمع للآسفي يحكي عن هاته الفترة الحاسمة من حياته الشخصية والسياسية أيـضا، وهـو ما لم يغـب عنه فالتفت، إليها قائلا :
” أعلم أن هاته الحكاية تروقك، فبفضل عنادي و الإصرار على قراري تمكّنْتِ مني فيما بعد، ولولاه لكانت حياتي أخذت منحى آخر ، وربما كنت الآن مجرد مراقب لإرث صهري، إنه العناد الإيجابي الذي ورثه عني جل أبنائي … فصلاح واجهني بنفس الجرأة، التي واجهت بها والدي، حين عبّر لي عن اختلافه مع المسار السياسي الذي اخـتـرته ، وكـان يـعـتـبـرُهُ إصلاحيا و ليس ثوريا، و كنت مرتبكا وأنا أراني فيه ، ومع ذلك لم أقبل الاختلاف ، وطلبت منه الرحيل عن المنزل وهو لم يبلغ العشرين من عمره، مع ما كانت تعرفه سنوات السبعينات من احتقان سياسي لا تحمد عقباه …
اختار صلاح الـرحيل عن المنزل الأسـري، و أنا مـتـوزع بـيـن قـنـاعـاتي واختياراته ، ولم يكن لدي من خيار سوى أن أضع يدي على قلبي من شدة خوفي عليه … فرغم أن هدفنا واحد فالسبل تباعدت …!
وبنفس العناد واجهتني أم يوسف و هي تختار مسارها وقد انفصلت عن زوجها، و هي الشابة المليئة حيوية وعطاء … و خالد العصاميُّ قرر وبنى لنفسه أسرة لا يمكن إلا الاعتزاز بجميع أفرادها هو الفلاح الأبي المتمرد ”
دمعت عينا آسية من فرط التأثّر، فقد ازدادت إعجابا بأب عرف كيف ينتقد ذاته … و يعترفُ بحق الاختلاف للجميع ، وتدخّلت قائلة :
” كان واضحا، يا والـدي، أنك رغم الاختلاف احـتـرمت مـسـاراتـنـا، جميعا وأحببت فينا عنادنا الإيجابي، وقدّرنا فيك نجاحك في تجاوز تربية تقليدية والانخراط ، مع الوالدة في بناء أسرة مُؤمنة بالاختلاف الإيجابي ”
” بالفعل فقد توفقتم “، وبحنوّ مسح من على خدود آسية تلك الدّموع التي بللتها، و استمر في حكيه :
لم تدم القطيعة مع الحاج طويلا، فقد بلغتني حالة الحزن الذي كان يعيشها جرّاء علم ساكنة آسفي بخلافنا العميق، حتى صار مصدر إشاعات كثيرةٌ : فمن قائل بأن العريف تبرأ من ابنه البكر، ومن قائل بأن الإبن خرج عن الطريق الصحيح، ولكن ما حز في نفسه كثيرا هو استثمار خلافنا من طرف أذناب المستعمر و الترويج بأن القطيعة هي إرادة ربانية لكل من خالف أبويه و حاكميه …!!!
نساء فاس في تظاهرة من أجل عودة الملك محمد الخامس
الكاف تغير موعد نهائي كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة
أعلنت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم عن تعديل موعد المباراة النهائية لكأس إفريقيا لأقل …