‫الرئيسية‬ منوعات فسحة رمضان 07
منوعات - 29 مارس 2023

فسحة رمضان 07

ذكريات عبرت ...فأرخت .. أنصفت وسامحت

هِيَ رِحْلَةُ عُمْرٍ نَتَنَسّمُ تَفاصِيلَها اٌلْعَطِرَةِ بين دَفَّــتَيْ هَذَا اٌلْحَكْي …في ثَنايَا اٌلْكَلِماتِ وَ اٌلْمَشَاهِدِ ، تَرْوي اٌلْحِكايَةُ ، بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجِراحِ و الآمَالِ ، حَياةُ رَجُلٍ وَ امْرَأةٍ اخْتارَهُما ” اٌلْقَدَرُ” كَمَا تَخْتارُ الرُّوحُ ظِلَّهَا – وَ عَبْرَهُمَا – نُطِلُّ عَلى مَسَارَاتٍ مُضيئَةٍ لأَشْخَاصٍ وَ ” أَبْطالٍ ” بَصَمُوا تَاريخَنَا اٌلْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ قَلِيلٍ مِنَ اٌلْجَلْدِ وَ اٌلْكِبْرِيَاءِ وَ اٌلْعِنادِ اٌلْجَميلِ ، وَ صَنعُوا مِنْ “لَهيبِ الصَّهْدِ” جَذْوَةُ أَمَلٍ لا يَلِينُ ..حَكْيٌ كَاٌلْبَوْحِ اٌلْفَيّاضِ ، يَسْرُدُ تَفاصِيلَ اٌلْوِجْدَانِ و انْكِسارَاتِهِ ، وَ جِراحَاتِ اٌلْوَطَنِ وَ آمَالِهِ … ضِمْنَهُ ، تَفاصِيلَ شَيّقَةً لأَحْلامِ جِيلٍ لَمْ يَنْكَسِرْ ، و عَبْرَ دِفَّتَيْهِ ، نَقْرَأُ تَفاصيلَ غَيْرَ مَسْبوقَةٍ لأَحْداثَ مُثيرَةٍ مِنْ تَاريخِ اٌلْمَغْرِبِ اٌلْمُعاصِرِ …بِغَيْرِ قَليلٍ مِنَ اٌلْفَرْحَةِ وَ اٌلْفُرْجَةِ ، وَ اٌلْحُزْنِ وَ الأسَى يَحْكِي الرَّاوِي شَهَادَتَهُ عَلَى اٌلْعَصْرِ …وَ عَبْرَ هَذَا اٌلْحَكْي ، يَتعَاقَبُ الأَطْفالِ بِدَوْرهِمْ عَلَى السَّرْدِ ، يَحْمِلونَنَا مَعَهُمْ إِلَى مَشاتِلَ اٌلْقِيَمِ اٌلْيَانِعَةِ ، و أَحْضانِ مَحَبَّةٍ تَنْمُو و تَزْهَرُ ..بِمُطالَعَتِنَا لِهذَا اٌلْحَكْيِ اٌلْعَابِرِ …يُحْيِي فِينَا الرَّاوِي “توفيق الوديع ” دِفْقَ مَوَدَّةٍ لا تَنْضَبُ و مَعِينَ وَطَنِّيَةٍ تَسْكُنُ اٌلْمَسامَ و الشَّرايينَ ..
بِشُموخِ الكِبارِ نُطِلُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ذَاكِرتِنَا المُشْتَرَكَةِ … وَ بِسَلاسَةٍ سَرْدِيَّةٍ نَسْتَعيدُ مَعَ الكَاتِبِ حِقَباً مِنْ زَمَنٍ مَضَى و آخَرَ يَمْشِي بَيْنَنَا ، لِنَتّقِدَ كَمَا تَتَّقِدُ الرَّعْشَةُ و البَهْجَةُ فِي الوِجْدانَاتِ الصّافِيَةِ.. لِذلكَ أَدْعو القارئَ إِلى اٌلإطْلالَةِ عَلَى تَفاصِيلَ هَذِهِ الذِّكْرَياتِ الْعابِرةِ لِشَجَرَةٍ عُنْوانُهَا الآسَفي وَ ثُرِيَا .. الثُّنائِي الَّذِي رَوَى، وَ تَرَكَ مَا يُرْوَى حَوْلَهُ بِجَدارَةِ اٌلْخالِدينَ …

أعدها للنشر منير الشرقي

من مدرسة بن يوسف إلى جامعة القرويين

بقلم توفيق الوديع


مدرسة بن يوسف العتيقة بمراكش

ضحكت ثريا بملئ ما فيها واضعة يدها على يد زوجها، كأنها تطلب منه التوقف عن الحديث لتفسير سبب ذاك الضّحك الذي راحت فيه !!! .
” هو موروثٌ عائلي إذن، لقد ذكرتني حكايتك بواقعة فريدة أود تَـقـَاسُـمها و الأحفاد … ففي أحد الأيام، وكان العربي لازال مراهقا، أتى على فعل استوجب بحسبي العقاب الفوري و حين هممت بمُعاقبته صاح قائلا :
” اقنعيني، يا أمّي أولا، عاد ضربيني .”
و بماذا أقنعك ؟ صرخت فيه …
” اقنعيني بجدوى العقوبة و عدالتها و حين أقتنع سأقبل بالحكم …”
لم يقتنع… و لم أتمكن من تطبيق أية عقوبة .
ضحك العربي عميقاً، كما الجميع طبعا، ولم يتوقفوا إلا والحاكي يطلب من الجميع الهدوء لإكمال الحكاية … و استمرّ؛
كان الاعتقال الأول إذًا، و قرر الساهرون على أمن المدينة، جعله شهرين كاملين مع حرماني من إكمال مشواري الدراسي لتلك السنة .
غضب الحاج العريف مني غضبا شديدا لعدم تطبيق أوامره بالانتباه لدراستي أولا و النضال بعد ذلك، كما عبّر عن غضبه من مسؤولي المدينة، الذين تربطه بهم علاقاتٌ خاصة، فهو محسوبٌ على الأعيان الذين تؤخذ مشورتهم في كثير من القرارات المحلية …
اقـتـنـع الوالـد، رغم عدم جهره بذلك، بتحذيراتي من أنهم أذناب المُستعمـر، و أصحاب مصالح لا غير …
أما والـدتي فلم تتحمل اعـتـقـالي و بكت غيابي بشدة حدّ العمى والـوفـاة، و رحلت، و هي بعد شابّة جميلة في أوج عطائها .
علاقتي بها كانت قد تقوّت يوم قرر والدي الاقتران بثانية، و وقفتُ في وجهه بالمرصاد، كُنْتُ مؤازرها الوحيد في محنتها، و لم تكن لتقبل التعبير عن سخطها على وضعيتها إلا و نحن الإثنين في الغرفة لوحدنا، كانت تضع رأسها على رُكبتيّ الصّغيرتين، و تروح في بكاء مسترسل، قائلة بصوت متقطع ” من الآن أنت ابني، و كل ما أملك في هاته الحياة، انتبه لنفسك يا ولدي و أعلم أنه مهما وقع فإنك من أبنائي المرضيين، و أوصيك بأختيك أمينة و عائشة …” كانت لحظات مؤثرة، لم أنسها قطُّ و أنا، بَعدُ ابن العاشرة .
عودتي إلى منزل العائلة، بعد الإفراج، لم يكن عليّ بالهيّن في ظل غياب الوالدة و حضور زوجات جديدة للوالد !!!
حرص الحاج العربي على الاحتفال بإطلاق سراحي، فأقام مأدبة استدعى لها أعيان المدينة ، وذلك للفت انتباههم إلى إيمانه بنفس المبادئ الوطنية، و كان لحضور الفقهاء أثرٌ خاص على الحفل … فقد كانت رسالة واضحة لمن يعنيه الأمر : انخراط كلّ مُكوّنات المدينة في رفض التصرّفات المُتعنّتة للإدارة الفرنسية …
كنت معجبا بأصدقاء الوالد من الفقهاء وعلى رأسهم العالم المختار السوسي و صديقه الفقيه الكانوني فقد كانا على رأس من حضر تلك الوليمة و فيها تقرر، في غيابي، إلحاقي بمدرسة الرميلة بمراكش تحت عُهدتهما … ذلك القرار الذي كان بالنّسبة للوالد، عقاباً على جرأتي الزائدة، و أنا بعد طفلٌ لم أصل مرحلة البلوغ، أما أنا فقد اعتبرت القرار هدية من السّماء، لم أكن أحلم بها يومًا، و أنا أعلم مسبقا بتوجهات الفقيه السوسي الوطنية .
عاملني الفقيه بمثابة الإبن، و كان يسهر شخصيا على عافيتي إن تعرضت لمكروه، و لن أنسى إحدى ليالي فصل الشتاء الباردة و كنت قد تعرضت لنزلة برد قوية و الحمى أخذت مني مأخذا، حيث حرص على اقتناء ماء الورد وظل يبلل رأسي، و أعضاء جسمي حتى انخفضت حرارة جسمي و لم يدعني إلا و حالي قد تحسن بكثير !!!
دُروسه كانت مبنية على تلقيننا مبادئ الإسلام السّمحة و التأكيد على أنّ ديننا هو دين يسر لا عسر، و كذلك قواعد الفلسفة و الشعر و الأدب، و لم تكن تلك الدّروس تَخْلُو من الحث على دورنا المهم، نحن الشباب، في النّهوض بمجتمعنا، و الذي أساسه توعية أفراد الشعب بحقهم في عيش كريم في وطن حر محترم، و واجبنا في النضال من أجل طرد المستعمر الغاشم … و لم يكن لينهي دروسه إلا و هو يحُثنا على الدّراسة و التّحصيل أوّلا و قبل كلّ شيء، مع تذكيرنا بواجب التحلي بأخلاق النبي المُصطفى السّمحة، و نبذ كل أشكال العنف و الهمَجية من أجل إيصال الرسالة الإلهية الموحّدة بين الشعوب، و الداعية إلى المساواة بين الأجناس، كما كان الفقيه حازما في تحميلنا مسؤولية الأديب في توعية العامة من أجل جعل الكرامة و الحرية أساسا لكل حياة شريفة …
استمرت علاقتي بأستاذي حتى وفاته أوائل الستينات و من بين ما كتب عن مرحلتي الدراسية في كتابه ” ذكريات ” :
” … أما محمد المسفيوي فأشهد له بالنباهة و الثبات على المبدأ و النجابة، فهو مقبل على البحث و النقاش في جميع الأمور الحساسة و أتنبأ له بمستقبل سيهم لا محالة تاريخ الوطن …”
طبعا كـان المخبرون، كما جـرت العادة، مـتـواجـدون في مختلف الدروب و الأزقة يحملون آخر الأخبار لرؤسائهم حول التجمعات و المدارس التي يحث فيها الأساتذة طلبتهم على مناهضة المستعمر .
استشعر فقيهنا قرب صدور قرار إبعاده عن تلامذته و إرجاعه إلى مسقط رأسه، و منعه من التحرك خارج محيط معين بمنطقة سوس، و ذلك للحيلولة دون تواصله و طلبته بل و حتى بأي فرد من أفراد الشعب، فاستنجد الفقيه بكاتم أسراره الفقيه الكانوني لرعاية بعض من طلبته الذين أبانـوا عن روح وطنية نادرة، و الذي أخذ على عاتقه السهر على تعـليمهم و حمايتهم كذلك، من بطش المستعمر و زبانيته .
نُفيَ الفقيه و اختار الكانوني طريقة ذكية لحماية هؤلاء الطلبة .

جامعة القرويين بفاس
اتصل الفقيه الكانوني بوالدي واقترح عليه إرسالي لاستكمال دراستي بجامع القرويين بفاس حيث الأمور أكثر هدوء ، كما أن ظروف التعليم كانت آمنة، … و قد اقترح عليه كذلك، إقامتي في حضن أسرة من أعيان المدينة، تربطها علاقات خاصة بالقائمين على أمنها، ممّا كان سيجعلني في منأىً عن أي احتمالات تعيق مساري الدراسي .
قـبـل والدي الاقتراح بسرعة، دون استشارتي، و في إحدى زياراتي العائلية، و التي كانت مبرمجة نهاية كل شهر باغتني و نحن على مائدة الفطور بنبرة حادة .
” أظن أن الأمور تعقدت بمراكش بعد نفي أستاذكم، و لهذا فقد قررت إرسالك لاستكمال تعليمك بمدينة فاس، و لي فيها عائلة محترمة ستستقبلك طول مدة إقامتك، و أطلب منك ضبط نفسك والاهتمام بأمور تعليمك أولا و قبل كل شيء . لم يـنـتـظـر ردًّا منّي، بل نهض وانصرف إلى تـجـارتـه و كأني به يتفادى أية مواجهة معي لعلمه عنادي ورفضي اتخاذه قرارات، تخُصّني، بصفة أحادية .

التعليقات على فسحة رمضان 07 مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

هشام الدكيك .. هناك أمور يجب تعديلها ونقاط قوة ينبغي استثمارها

أكد مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة، هشام الدكيك، الخميس بطشقند، عقب فوز أسود …