‫الرئيسية‬ أخبار ركن العدالة قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية (ج 1)
ركن العدالة - 16 يناير 2022

قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية (ج 1)

الجديد نيوز: بقلم عبد العالي المصباحي 

لا تحملوا النصوص القانونية أكثر مما تتحمل ولا تطنبوا في الألفاظ والمعاني فتفتحوا الباب للتأويل والمساءلة.
وأنا أتصفح مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المنشور بتاريخ 7 يناير 2022، استحضرت فصول الدستور التي تنص على تفعيل الديمقراطية التشاركية وإحداث هيئات للتشاور قصد إشراك الجميع في إعداد المشاريع والقرارات والسياسات العمومية وتقديم ملتمسات في مجال التشريع. فكان لابد من أن أبدي رأيي في هذه المسودة من باب غيرة الوطنية وإسهام المواطنة.

أول ما أثار انتباهي في هذه المسودة هو غياب المعاني والمفاهيم الحقيقية للغة العربية، ففي المادة الأولى التي جاء فيها : تسهر المحاكم على حسن تصريف العدالة بما يضمن تحقيق شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع في جميع مراحل التقاضي. نجد عبارة تصريف العدالة، فالتصريف في اللغة هو التحويل والترويج واشتقاق الصيغ، وتصريف الأعمال ـ مادمنا هنا أمام العمل بالمحاكم ـ هو نقيض ممارسة الصلاحيات الأصلية، فنقول حكومة أو لجنة تصريف الأعمال، وهي غالبا حكومة مؤقتة تعين لتدبير مرحلة انتقالية أو استثنائية، صلاحياتها محدودة، وكأننا هنا أمام محاكم تدبر فترة معينة في انتظار مجيء محاكم ذات صلاحيات عامة دائمة ورسمية، ثم نجد عبارة تصريف العدالة، والعدالة مفهوم محسوس غير ملموس، فكيف يمكن تصريف شيء غير مادي وغير ملموس، والعدالة تعني الإنصاف والمساواة وإعطاء كل واحد ماله وأخذ ما عليه، أما في باب التقاضي، فهي تعني عدم الانحياز لجهة دون الأخرى، أو تغليب كفة على أخرى، وفي واقع الحال كيف يمكن أن نطالب كل مكونات أسرة العدالة بتصريف هذه العدالة، مادام موقع كل فرد في هذه الأسرة يختلف عن موقع الآخر ويتغير بتغير وظيفته، كما أن القضاة مثلا هم مطالبون بتطبيق القانون، والذي يناشد الجميع من خلال تطبيقه تحقيق العدالة، وذلك لما يحكمهم من قواعد آمرة، ومنها لا يحكم القاضي بأكثر مما طلب منه، ولا يلزم بمطالبة الأطراف بتصحيح المسطرة أمام محكمة النقض، ولا يحكم بعلمه الخاص.

فمقترح المادة الأولى حسب رأيي المتواضع هو : تسهر المحاكم على ممارسة صلاحياتها بما يضمن تحقيق شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع طبقا للقانون.
أما المادة الثانية من المسودة فنصت على ما يلي: يمارس القضاة مهامهم باستقلال وتجرد ونزاهة واستقامة، في إطار السهر على ضمان مساواة الجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، أمام القضاء، وعلى حماية حقوقهم وأمنهم القضائي.

قد نفهم عبارة الاستقلال والتجرد في ممارسة المهام، أما النزاهة فهي تحصيل حاصل، مطالب بها كل من أوكلت إليه مسؤولية معينة، وقد عاقب المشرع في القانون الجنائي العام والقوانين الجنائية الخاصة عن الرشوة والغدر والتبديد والتبذير وغيرها من الأفعال التي يمكن أن يرتكبها الموظف بالمفهوم العام.

ولماذا لا نجد عبارة النزاهة في باقي القوانين المنظمة لوظائف أخرى، وكأننا نصم أسرة القضاء بوصم الانحطاط والخساسة، فنحثها بالتالي على النزاهة.

أما عبارة الاستقامة فمفهومها يبقى لصيقا بكل ما هو روحي واعتقادي وديني، فالاستقامة في اللغة هي الانتصاب وعدم الإعوجاج، فهل القاضي مثلا مطالب بالمشي مشية العسكري والجلوس في القاعة جلوس التمثال حتى يكون مستقيما، وفي الاصطلاح هي سلوك الصراط المستقيم، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة (هود) : فاستقم كما أمرت.. وهذا أمر شخصي يهم كل فرد في علاقته بخالقه، فهل القاضي مطالب وهو يقوم بمهامه أن يكون مثالا للرجل المتدين العاكف الناسك، وهل يحق لأحد المتقاضين أن يجرح في قاض يقصر في أموره الدينية من صلاة وزكاة وحج ما دام مستطيعا، أو أن يجرح فيه لتأخر هذا القاضي في الزواج، ما قد يجر عليه شبهة الزنى مثلا.

لهذا قلت في بداية هذه القراءة، لا يجب أن نحمل النصوص أكثر مما تتحمل، فنعطي الحق في التأويل كل حسب نظرته وهواه ومصلحته.

والمقترح هنا هو: يمارس القاضي مهامه باستقلال وتجرد، ويسهر على ضمان مساواة الجميع ـ أشخاصا ذاتيين واعتباريين ـ أمام القضاء، وعلى حماية الحقوق والأمن القضائي.

وقد آثرت إعمال كلمة القاضي عوض القضاة، حتى لا يعتبر القاضي نفسه وهو ينظر في ملفات القضاء الفردي أنه غير معني بهذه المادة، ويعلم كذلك أنه مسؤول مسؤولية شخصية حتى ولو بت  بصفة جماعية مع باقي زملائه، وفتحت عارضتين استوجبتها ضرورة المعنى لشرح كلمة الجميع، ولم أدخل السلطات العمومية، لأن الدستور اعتبر الكل سواسية أمام القضاء، وأحدث قضاء إداريا متخصصا في الدعاوى ضد الدولة، وجعل لها بعض الاستثناءات تخرجها من قاعدة المساواة، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المالية السابق الذي منع الحجز على ممتلكات الدولة، فكيف نكلف القاضي بضمان المساواة أمام استثناءات قانونية، ولم أقل حقوقهم وأمنهم، بل قلت الحقوق والأمن وذلك حتى نبقي القاضي في حياده وسهره الدائم على تطبيق القانون، فقد يضمن حقوق أطراف غير متواجدين بالدعوى تطبيقا للقانون، أو حماية لهم بمقتضى نصوص خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للقاصر والغائب وإدخال النيابة العامة لأمر يهم الدولة أو المجتمع، فيكون بهذا قد سهر على التطبيق السليم للقانون.

أما عن الأمن القضائي وإن كان الدستور قد ألزم القاضي في الفصل 117 بحمايته، فإن هذا الأخير يبقى حلقة ضمن حلقات متعددة معنية بالأمن القضائي، وأولها المشرع الذي هو مسؤول عن الأمن القضائي كذلك باستقرار القوانين وعدم الانسياق في إسهال تشريعي يضرب استقرار المعاملات وبالتالي استقرار الأمن القضائي.

المادة 3: لا يجوز للقاضي الامتناع عن البت في أي قضية عرضت عليه. وأقترح أن يحرر النص على الشكل التالي: لا يجوز للقاضي الامتناع عن البت في أي قضية عرضت عليه في إطار مهامه الرسمية أو التكليفية، ما لم يكن هناك مانع قانوني أو شخصي. فالقاضي قد يتواجد في إطار مهمة خاصة كالإشراف على سير الانتخابات، ولا يحق له البت في القضايا المعروضة عليه آنذاك، ماعدا ما يدخل في اختصاصه في إطار هذه المراقبة أوالإشراف.

التعليقات على قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية (ج 1) مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول

تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…