الأدوار الجديدة للقاضي في ظل المجلس الأعلى للسلطة القضائية
بقلم: عبد العالي المصباحي
وفقا للتوجهات الملكية السامية الهادفة للإسهام في إصلاح منظومة العدالة والرقي بالقضاء لمكانته المرتقبة من طرف كل مكونات المجتمع، وتنزيلا للأدوار الطلائعية التي جاءت بها القوانين المنظمة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون الأساسي لرجال القضاء والقوانين التنظيمية المنبثقة عنها، الناهجة لترسيخ ثقافة التكوين والتكوين المستمر ونشر المعلومة لتوحيد الاجتهاد القضائي وتفسير النصوص القانونية تفسيرا يتماشى وعمل محكمة النقض وجعل المجتمع المدني رقيبا على قضائه في إطار ديمقراطية تشاركية هادفة إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة والتكليف بالاقتدار، كان لابد من إلقاء الضوء على هذه المواد التشريعية وما جاءت به من أدوار جديدة للقاضي في ظل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لما سيعرفه من تشكيلة جديدة تضم قضاة وشخصيات عامة يعينها جلالة الملك وتعيين رئيسين لمؤسستين دستوريتين، هذا الحدث الذي أسال مداد العديد من الأقلام القانونية والمهتمة، فكان لزاما علي المساهمة بمداخلة متواضعة، أبدي من خلالها وجهة نظري كرجل معني بهذا التغيير. وإن ـ وحسب الأقوال المتواترة ـ فإن القضاة لا يحتاجون لقوانين عادلة ليكونوا منصفين، ولكن القوانين تحتاج إلى قضاة منصفين لتكون عادلة.
كانت فصول دستور 2011 المتعلقة بالسلطة القضائية، بمثابة خارطة طريق للقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إذ لم يحد عنها في تنزيل كنه فصوله الهادفة إلى توطيد قضاء مستقل و عادل. لهذا سنلاحظ أن ما جاء به القانون من توجهات كبرى كان مصدرها روح الدستور في مضامينه العامة، إن على مستوى المرجعية والثوابت أو على مستوى الاستراتيجية وإرساء دولة ديمقراطية أساسها الحق والقانون، مسايرة بذلك لمبادئ القانون الدولي الإنساني والقوانين الكونية لحقوق الإنسان.
وقد جاءت هذه التوجهات الكبرى لهذا القانون على الشكل التالي :
– إقرار الديمقراطية التشاركية بين المؤسسات الدستورية للدولة؛
– إشراك المجتمع في تدبير الشأن العام؛
– تنزيل حقيقي وفاعل لمبدإ المناصفة؛
-إعطاء فرصة للشباب في التمثيل وتقلد المناصب؛
– تأسيس لقاعدة التناوب والحد من احتكار المناصب؛
– ربط مسؤولية الأعضاء بالمحاسبة؛
– جعل المجلس مراقِبا ومراقَبا لمدى احترام استقلال القضاء.
إذ كان لابد من إحداث هذه التغييرات الجذرية لتحقيق الطفرة الانتقالية للسلطة القضائية.
إقرار الديمقراطية التشاركية بين المؤسسات الدستورية للدولة
إيمانا بمبدإ التشاور والمشاركة في التسيير، أدمج قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية شخصيات ومؤسسات للعمل داخل أو مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، دون المساس باستقلال القضاء بطبيعة الحال ومنها مثلا :
– الفصل 115 من الدستور والمادة 6 من هذا القانون: تعيين شخصيات من المجتمع المدني مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز، ثم الوسيط ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
– إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى ووزارة العدل، مع إمكانية حضور وزير العدل لاجتماعات المجلس طبقا للمادة 54 ؛
– تعاون وزارة العدل ووزارة المالية مع المجلس لتنفيذ مقرراته المادة 55؛
– إلحاق محاسب عمومي بالمجلس من طرف الحكومة للقيام بمهامه؛
– مراعاة المجلس عند تعيين المسؤولين تقارير وزير العدل المادة ؛72؛
– تعيين قضاة الاتصال بقرار مشترك بين المجلس ووزير العدل ووزير الشؤون الخارجية المادة 81؛
– استشارة الجمعيات المهنية في وضع مدونة أخلاقيات المهنة، المادة 106 ؛
– تلقي تقارير من عدة جهات حول وضعية القضاة ومنظومة العدالة؛ منها المجتمع المدني ،الجمعيات المهنية، هيئات حماية الحقوق والحريات، المادة 110؛
– إصدار آراء حول كل ما يتعلق بالعدالة بطلب من الملك أو الحكومة أو أحد مجلسي النواب المادة 112؛
– إقامة علاقات تعاون وشراكة مع المؤسسات الأجنبية المماثلة والهيئات الأجنبية المهتمة بقضايا العدالة، بتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الخارجية والتعاون وإشعار وزارة العدل المادة 113.
إشراك المجتمع في تدبير الشأن العام
إن شأن القضاء هو شأن عام ومجتمعي، فكان لابد من إشراك هذا الأخير في تدبير وتسيير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عبر مؤسسات مهتمة بحقوق الإنسان وبعلاقة المواطنين بالإدارات العمومية، وكذا شخصيات من المجتمع المدني مشهود لها بالكفاءة والنزاهة في سبيل سيادة القانون، مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات وتقارير جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، وليس في هذا أي مساس باستقلال السلطة القضاء للأسباب التالية:
– لأن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية طبقا للفصل 107 من الدستور؛
– لأن الملك هو من عيّن هذه الشخصيات وهذا تفويض للنيابة عنه، بصفته أمير المؤمنين، والقضاء هو من مهام الإمارة؛
– لأن الاستقلال هو استقلال القاضي في اتخاذ القرار لا في الانفراد به، واستقلال السلطة القضائية هو استقلال عن باقي السلط في علاقتها بالأمور القضائية لا التسييرية؛
تنزيل حقيقي وفاعل لمبدإ المناصفة
لم يغب الفصل 115 من الدستور عن هذا القانون فيما يخص تمثيلية المرأة
« يجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي»، وهذا لا يمنع من تواجدهن كذلك من بين باقي الأعضاء سواء الدائمين أو الشخصيات العامة، لهذا جاءت المواد 6 و23 و45 و65 من القانون تتحدث عن التمثيل الإجباري المحدد في قاضيتين بالنسبة لمحاكم أول درجة وقاضية بالنسبة لمحاكم الاستئناف، مع إمكانية الفوز بمقاعد أخرى حسب عدد الأصوات المتحصل عليها متى فاقت أصوات المترشحين من الرجال، وهذا ما نصت عليه المادة 45 :
« أولا : الإعلان عن فوز المترشحات على أكبر عدد في حدود عدد المقاعد المخصصة
ثانيا: الإعلان عن فوز باقي المترشحين والمترشحات الحاصلين على أكبر عدد». وبهذه الإمكانية قد نتصور مستقبلا، مجلسا أعلى للسلطة القضائية مشكل من النساء فقط خصوصا إذا اقترح الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى إحدى المرشدات الدينيات مثلا، وعينها جلالة الملك من بين الشخصيات الخمسة المذكورة.
إعطاء فرصة للشباب في التمثيل وتقلد المناصب
نظرا لأهمية حضور وإشراك الطاقات الشابة في كل الميادين تطبيقا للمادة 33 من الدستور، سارع هذا القانون لضمان تمثيليتهم, فلم يشترط إلا سبع سنوات في السلك القضائي للترشح لعضوية المجلس طبقا للمادة 27, وهي مدة يسيرة مقارنة مع درجات الترقي التي لا تبلغ بعضها إلا بقضاء عشرات السنين، وقد نلاحظ هذا التوجه حتى في اختيار المسؤولين القضائيين، إذ لم يشترط المجلس الأقدمية في الترشح للمسؤولية المادة 72، بل أحال على النظام الأساسي للقضاة الذي اشترط الدرجة الثانية فقط في تقلد منصب وكيل الملك أو رئيس محكمة طبقا للمادة 19. كما أن المادة 73 أعطت الحق لقضاة ثاني درجة في الالتحاق بمحكمة النقض كمستشارين مساعدين لمدة خمس سنوات.
التأسيس لقاعدة التناوب والحد من احتكار المنصب
حددت المادة 14 مدة عضوية القضاة المنتخبين في 5 سنوات غير قابلة للتجديد، كما منعت المواد 7 – 8 الجمع بين هذه العضوية ومهام أخرى، واعتبرت المادة 15 مزاولة نشاط آخر سببا في انتهاء العضوية بالمجلس، وفي هذا إشارة قوية لتأسيس قاعدة التناوب وإعطاء فرص التمثيل والحد من ظاهرة الجمع بين عدة مناصب، وهذا ما اتجهت إليه روح المشرع، وقد يخالفني البعض أن بالقول أن في المادة 115 إشارة لإعادة الترشح,
«يتولى المجلس القائم ممارسة اختصاصات المجلس الأعلى فيما يخص انتخابات ممثلي القضاة، باستثناء الذين يعبرون عن رغبتهم في الترشح». أقول أن هذا الفصل هو بمثابة التجريح التلقائي الذي يعلن عنه القاضي لإبعاد نفسه لا لأنه سيتحيز ولكن ليبعد عنه شبهة الانحياز، وهذا إسوة بالمادة 59
« لا يحق لأي عضو أن يحضر مناقشة القضايا المتعلقة به أو بأحد الأزواج أو الأصهار …يصرح العضو بكل تنازع للمصالح من شأنه التأثير على المقررات المزمع اتخاذها», فالمادة 115 لا تقرر إباحة الترشح بل تؤطر شكلية البث في الطلب دون حضور صاحبه، لأن مقاصد التشريع إما تكون لتصحيح وضع مختل أو منع تصرف أو تجريمه لمسه بمصالح المجتمع وأهدافه. وقد نفهم هذا كذلك من المادة 20 التي اعتبرت أن قضاء نصف المدة المتبقية من العضوية هي بمثابة عضوية كاملة، وهذا لسد طريق إعادة الترشح عن القاضي الذي خلف عضوا استقال أو توفي، لمدة سنتين ونصف طبقا للمادة 14.
ربط مسؤولية أعضاء المجلس بالمحاسبة
تتجلى القاعدة الدستورية القاضية بربط المسؤولية بالمحاسبة في :
– المادة 7 التفرغ للقضاء على كل أشكال التأثير والتأثر، كتقلد مسؤولية قضائية أو جمعوية قد تخلق التزاما أدبيا أو رئاسيا بينه وبين القضاة؛
– المادة 9 أداء القسم بين يدي الملك للقيام بالمهام بتجرد ونزاهة والحرص على استقلال القضاء وكتمان السر وعدم اتخاذ موقف علني؛
– المادة 11 عدم القيام بأعمال تمس التجرد والاستقلال وعدم استعمال الصفة لأغراض شخصية، وبقاء هذا الالتزام حتى بعد انتهاء العضوية؛
– المادة 27 ألا تكون قد صدرت في حقه عقوبة تأديبية، حتى لا يكون موضوع أي وصم أو شبهة، لأن العقوبة التأديبية هي عقاب لفعل مشين ولكن لم يجرمه القانون الجنائي؛
– – المادة 59 التجريح التلقائي في القضايا الشخصية والعائلية والمصلحية؛
– المادة 65 السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة الفصل 113 من الدستور؛
– المادة 71 تعيين المسؤولين حالة عدم اختيار أو عدم وجود أي مرشح؛
– المادة 87 عدم تحريك أية متابعة تأديبية إلا بعد إجراء التحريات والأبحاث الضرورية « إعمالا لقرينة البراءة»؛
– المادة 103 السهر على ضمان احترام القيم القضائية وإشاعة ثقافة النزاهة والتخليق بما يعزز استقلال السلطة القضائية؛
– المادة 105 حماية القضاة من كل تأثير قد يتعرضون إليه؛
جعل المجلس مراقِبا ومراقَبا لمدى احترام استقلال القضاء
بقدر المكانة التي يحتلها المجلس الأعلى في الهرم القضائي ليتأتى له أن يكون مراقِبا للقضاة وللشأن القضائي، فهو في ذات الوقت مراقَبٌ من جهات أخرى وذلك لتحقيق توازن ديمقراطي لحسن سير الدولة.
– مراقَبٌ من طرف جلالة الملك طبقا للمادة 9 حين يمثل أمام جلالته لأداء القسم، وطبقا للمادة 61 حين يرفع نشاطه الدوري لجلالته؛
– مراقَبٌ من طرف الحكومة طبقا للمادة 64 حيث تلحق الحكومة محاسبا عموميا بالمجلس، وطبقا للمادة 109 حين يرفع تقريره السنوي إليها، وطبقا للمادة 113 حين يريد عقد اتفاقيات مع هيئات ومؤسسات أجنبية، حتى لا تكون دبلوماسيته الموازية متعارضة مع مواقف الدولة؛
– مراقب من طرف المجتمع والهيئات الحقوقية طبقا للمواد 103- 108 ـ 110- 112 لضرورة تلقيه التقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، وإعداد أجوبة وتوصيات عنها مع الدفاع عن استقلال القضاء وصيانة هيبته وحماية حقوق المتقاضين ووضع مدونة الأخلاقيات القضائية؛
– مراقَبٌ من طرف المحكمة الدستورية طبقا للمادة 49 فيما يخص مطابقة قانونه الداخلي لأحكام الدستور؛
– مراقب من طرف الغرفة الإدارية بمحكمة النقض طبقا للمواد 26 و 30 و 48 و 74 و 101 فيما يخص الطعن في المقررات الصادرة عنه.
فليكن الله في عون هؤلاء الأعضاء أمام هذه المسؤوليات الجسام، وخير ختام تبقى فصول القانون جامدة صلبة لا تتحرك حتى يأتي الساهرون على تطبيقها ليزرعوا فيها روح التفعيل وسلاسة التنزيل وعمق التحليل ويسر القراءة. وهذا دور جديد ينتظر أعضاء المجلس لينزّلوا هذه المواد بما يخدم استقلال القضاء ويحمي القضاة ويرسخ عدالة اجتماعية وأمن قضائي.
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…