حائط الموت.. أو سيرة المغامر المغربي “علي بن الحسين”
بقلم: ذ. أحمد انجار
من الوجوه الشعبية التي استقرت في ذاكرة المغاربة، وكان اسمه مرادفا ل”حائط الموت” أو “موطور الخطر” لدى أجيال كاملة اكتشفت وعاشت الفرجة معه، بل كان فرجتها ومتنفسها الوحيد.
أجيال كاملة اكتشفت معه متعة ممزوجة بالاندهاش والانبهار والاعجاب والخوف وهي تتمتع بمغامراته على متن دراجته النارية التي تجوب “حائط الموت” صعودا ونزولا تحت هدير صاخب يملأ الحلبة.
يستفز الموت يوميا ويتحداه ويواجهه ويقتحمه وينازله بكثير من الإقدام والجرأة والمغامرة، ويتابعه جمهوره بكثير من الدهشة التي تسكن العيون وتسري في كل الحواس وأيادي المتفرجين على قلوبهم التي تتسارع نبضاتها على ايقاع حركات بطلهم.
إنه علي بن الحسين أنجار، المشهور بلقبه الرياضي “علي بلحسين”، رائد رياضات المغامرة بالمغرب، وهو أول مغربي روض “موطور الخطر” بعد أن كان الأمر مقتصرا على الأروبيين.
ولد علي بلحسين حوالي سنة 1926 بدوار “توزومت” جماعة المعدر الكبير إقليم تيزنيت. دفعته وفاة أبيه المبكرة سنة 1936 والذي كان يمتهن حرفة التجارة، إلى الهجرة منذ نعومة أظافره إلى مدينة الرباط عند عمه عبد الله أنجار، وكان يساعده في خياطة الجلاليب.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، رافق أخاه الأكبر محمد بن الحسين إلى الجزائر من أجل العمل، إلا أنه لم يمكث فيها كثيرا وعاد مرة ثانية إلى مدينة الرباط ثم الدار البيضاء حيث يبحث عن عمل تاركا أخاه بالجزائر، إلى أن التقى إبن عمته بيهي أنجار، وهو فنان بهلواني عالمي يقدم عروضه في سيرك يجوب أغلب دول أوروبا، والذي توسط له للعمل في سيرك الدراجة النارية في ملكية مغامر إسباني.
وكان علي بلحسين مكلفا بالحراسة في عمله الجديد.
وقد أثارت مغامرات الاسباني على الدراجة النارية شغفه، لذلك كان يستغل فترات غياب الجميع للتمرن خلسة على ركوب الدراجة النارية معتمدا على جرأته وشغفه على المغامرة إلى أن تمكن من كافة أسرار ركوب “حائط الموت”.
أخبر رئيسه الاسباني فلم يصدقه في بداية الأمر، و بعد أن امتحنه وتيقن من تعلمه المبادئ الأساسية لركوب “حائط الموت”، تفاوض معه حول الشروط الجديدة للاشتغال كشريكين لكون علي بلحسين أول مغربي سيمارس هذه الرياضة وسيجلب الجمهور بكثافة.
وفعلا انطلق العمل سويا في منتصف الخمسينيات وكانت الدعاية قوية سعى خلالها الشاب علي بلحسين أولا إلى تطوير أدائه مستفيدا من توجيهات أستاذه الاسباني إلى أن شاءت الأقدار أن يتعرض الاسباني لحادث مأساوي أثناء أدائه لعرض داخل السيرك فقد على إثره حياته.
تسلم علي بلحسين المشعل واستقل بنفسه ولم يكن مقتنعا بما ورثه عن معلمه من حلبة كروية الشكل، بل أبدع “حائط الموت” الأسطواني الشكل الذي يجوبه بشكل دائري صعودا ونزولا متحديا قوانين الجاذبية. فنذر علي بلحسين حياته لحائط الموت بكثير من الشغف والحب والإخلاص ومارس استفزازه المستمر للخطر حيث يتخذ على دراجته أوضاعا لا يتخيلها الكثيرون حتي في الحالات العادية للسياقة، فتارة يرفع يديه عن المقود أو يحجب عينيه برايتين أو يقف على مقعد الدراجة التي تسير بكامل سرعتها وتارة يقود الدراجة رفقة إحدى محبات المغامرة الإسبانيات أو مع أحد أبنائه…
وفي كل مرة يبتكر عروضا جديدة تمنح متعة أكثر للمتفرجين وإحساسا قويا بالخطر، وكان شعاره ” الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة”. ويتطلب الأمر ضبطا للتوازن وتركيزا قويا وأي خطأ بسيط قد يحول الفرجة إلى مأساة.
لم يكن علي بلحسين يكتفي بتقديم عروضه الشيقة داخل الحلبة، بل أدرك منذ البداية أهمية ضمان وفاء محبيه لما يقدمه، وكان يقف أمام مدخل الحلبة بقامته الطويلة وبشرته السمراء التي تذكر الكثيرين بطلعة الملاكم العالمي محمد علي كلاي، تحت صخب صوت محرك الدراجة النارية التي يعرضها في الخارج، فيثير فضول الجمهور الذي يتسابق للصعود إلى أعلى الحلبة من أجل مشاهدة العرض.
ولم يكن يدخل الحلبة إلا بعد أن يطمئن بأن كل شيء معد بدقة متناهية، والدراجة نفسها تخضع لفحص دقيق للتأكد من أنها لن تخذله في منتصف الطريق.
داع صيته في كافة أرجاء التراب الوطني ليصل إلى كل فج عميق في المغرب وجاب بسيركه جميع المناطق، وتحول إلى أسطورة يضرب بها المثل في المغامرة، وكل من يتقن المناورة بالدراجة النارية على الصعيد الوطني يلقبونه ب”علي بلحسين”؛ وتجاوزت شهرته حدود المغرب إلى شمال أفريقيا وأوروبا والهند، خاصة بعد جولاته الرياضية الناجحة إلى كل من الجزائر وتونس وإسبانيا وفرنسا والهند… وكان من أبرز الأسماء العالمية في هذا الصنف وقد تجاوزت شهرته الأبطال الأوروبيين.
كان علي بلحسين حريصا على تكوين خلف له تتوفر فيه صفات الشغف والوفاء لحائط الموت، فهو الأب الروحي لهذه الرياضة والأستاذ الذي تعلم على يده كثيرون على رأسهم ابنه المرحوم خالد، فكل المغاربة الذين أتوا من بعده ليسوا إلا تلاميذته.
حط سيرك “علي بلحسين” الرحال بمدينة تيزنيت صيف سنة 1973، بمناسبة موسم سيدي احمد أوموسى، وكان حدثا غير عادي في مدينة تشكل فيها الفرجة عملة نادرة بحكم الدعاية القوية التي سبقته وكون البطل ابن المنطقة وأسطورة ما تزال الحكايات الشعبية تنسج حولها هالة من العظمة ومن المغامرات الخارقة للعادة.
فارق علي بلحسين الحياة رحمة الله عليه بمنزله بالمعاريف بالدار البيضاء يوم 28 يوليوز 2008، وكان قد اعتزل حائط الموت والمغامرة ومواجهة الأخطار منذ سنة 1981.
خلده حميد بناني في فيلم “وشمة” سنة 1970، حيث يظهر علي بلحسين في مشهدين الأول في حائط الموت والثاني أثناء اصلاح دراجته النارية وهي المرة الوحيدة التي يخلد فيها سينمائيا (مقطع فيديو لفيلم وشمة أسفله)، إلا أن مساره لم يحض بأي التفاتة من وسائل الإعلام السمعية البصرية، كما أن سيرته الغنية جديرة بالتحول إلى شريط سينمائي يحافظ على الذاكرة الوطنية ويمنح الأجيال الحالية واللاحقة فرصة التعرف على بطل منح فرجة نادرة لآبائهم وأجدادهم.
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…