في الذاكرة.. محمد بلقاس “اللي ما عرفك يخسرك”
الجديد نيوز: إعداد أسامة بيطار
“حاك مجده من البساطة واقتحم مملكة الفرجة، فكان حظه أن جايل بنفس الألق والحماس مجموعة زادها محبة الفرح والشغف بإمتاع الناس وجعلهم بالقرب من بساطتهم…”، هكذا وصفت إحدى الدراسات الفنان الراحل محمد بلقاس الذي اقتحم عالم المسرح من خلال فرقة الأطلس لمولاي عبد الواحد حسنين المدرسة الفنية التي تخرج منها عدد كبير من الممثلين الذين ملؤوا خشبات المسرح. وكانت فلسفتها هي “التأسيس لفرقة للمسرح الشعبي غايته استعمال التلقائية و البساطة كأداة لخلق فرجة مؤثرة في الجمهور”.
كان أول عمل مسرحي يؤديه الفنان الراحل محمد بلقاس هو مسرحية «الفاطمي والضاوية» رفقة عبد الجبار لوزير، والتي عرضت العشرات المرات في مختلف مناطق المغرب. ومن بين من عرضت أمامهم الراحل محمد الخامس بفضاء قصر الباهية بمراكش سنة 1957.
يرى كل متتبع لمسار الفنان بلقاس أن “بلاغة المراكشيين سكنته، بعد أن تشربها من عالم الحرفيين المتمكنين من منابع فن الملحون والنكتة المتحركة على الألسن وخفة الروح”. لذلك “لا يستغرب أحد إذا علم أن كل الحوارات الهزلية التي كانت تدور بين محمد بلقاس وعبد الجبار لوزير، والتي كانت تبث على أمواج الإذاعة كانت مرتجلة في الحين ومباشرة من دون تكلف أو تصنع”.
يقول الفنان عبد الجبار لوزير عن هذه التجربة التي امتدت لسنوات: «كنا بالفعل نشكل، أنا وبلقاس، ثنائيا فنيا حتى داخل فرقة الوفاء. العامل الرئيسي في ذلك يعود إلى تواجدنا الدائم مع بعضنا مما رسخ بيننا انسجاما عميقا في الأداء وتناغما أقوى حتى في الارتجال”. ويعتبر لوزير أن “السر الأكبر في ذلك يكمن في ارتوائهما المشترك من المنابع الصافية لجامع الفنا.. نرتاد سوية الحلاقي ونلتقط غريب كلامها ونعيد توظيفه في سياقات فنية ونذهب للسوق العتيق ونجالس الحرفيين، نطلب براد شاي ونستمع لسيل من النكت، ومن الكلام البليغ، الذي يجري في المحادثات العابرة بينهم .. كنا نتشبع بالفن من منابعه التي تسري في الحياة…».
كان الراحل محمد بلقاس ابن التاسعة عشر حين ظهر ساطعا في الساحة الفنية “المعتبرة والرائعة” أنذاك، رفقة صديقه النجم عبد الجبار لوزير، حيث كان في جعبة المرحوم عدة أعمال فنية وعشرات المسرحيات أشهرها: “الحراز” و “سيدي قدور العلمي” وكان آخر عمل مسرحي له (عباس وبلقاس في لاس فيغاس) مع النجم المصري وحيد سيف. فمحمد بلقاس من مواليد مراكش سنة 1930، عرف كممثل مسرحي كوميدي مغربي، من الرعيل الأول للمسرحيين المغاربة الذين أسسوا لفن الكوميديا مع نهاية الأربعينات من القرن الماضي صحبة الفنان عبد الجبار لوزير وبوشعيب البيضاوي والبشير لعلج وعبد الواحد العلوي وغيرهم.
رغم أن محمد بلقاس من أصل أمازيغي، لكنه ظل مغربيا حرا، صادقا في أدائه، مرحبا بالجميع، لذلك يرى متتبعو مسيرة الراحل بلقاس أنه “قد بصم الفكاهة والسخرية «المرصعة» على خشبة المسرح، وأشعل نور البهجة في نفوس رواد هذا الفن الأصيل”، و”بنى مجده من البساطة وخفة الدم، والوجه البشوش، الذي ملأ الضوء مساحاته التي لم يأكلها الزمان رغم طوله، واقتحم قلوب الجماهير بالفرجة والمتعة الهادفة، التي تخرج من القلب لتصل إلى القلب”.
“لم يقو الطفل محمد بلقاس على النطق السليم إلا في ال 11 سنة، بينما اسمه الحقيقي هو محمد بن الطيب، يتحدر من أحواز مراكش، تربى في كنف أسرة أمازيغية جد محافظة على الأصول، تهوى وتحترف فن التجارة”.
و”في سن مبكرة عُرف محمد بن الطيب (بلقاس) بميوله لفن الفكاهة، وتقليد الأشخاص المعروفين في تلك الحقبة الزمنية من قبيل: نجيب الريحاني، اسماعيل ياسين، يوسف وهبي، بوشعيب البيضاوي، وبوجمعة الفروج… لينخرط بمعية زملائه في فرقة الأطلس الشعبية تحت إشراف قيدوم المسرح المحلي عبد الواحد العلوي الحسنين، وبالضبط في فترة بزوغ فجر الاستقلال”.
اقتحم محمد بلقاس عالم المسرح من خلال فرقة «الأطلس»، هذه المدرسة الفنية الكبيرة، والأم الولود، التي خرج من أحشائها عدد كبير من الممثلين والمسرحيين والفنانين، الذين ملؤوا دنيا المسرح والسينما والتمثيل إبداعا وإنتاجا ذاع صيته في المغرب والعالم العربي.
عرض بلقاس العشرات من الأعمال في مختلف مناطق المغرب. وقد كانت أهم مناسبة سيقدم فيها «التوأم» محمد بلقاس وعبد الجبار لوزير هذه المسرحية الخالدة أمام الراحل محمد الخامس بفضاء قصر الباهية بمراكش سنة 1957، حيث أمتعوا الملك الراحل وجل الحاضرين.
كما أن الملك الراحل الحسن الثاني كان من عشاق مشاهدة أعمال محمد بلقاس وعبد الجبار لوزير المسرحية، فقد كان يصر على استدعائهما لتقديم أعمالهما الهزلية أمامه بل كان يزودهم بالاقتراحات والنصح، كلما تأتى له ذلك.
يقول عبد الجبار لوزير في كتاب حواري أعده الصحفي عبد الصمد الكباص بعنوان: «ثلاث طلقات ونكتة وحلم كبير»: “ارتبط المشوار الفني والشهرة، التي صاحبت محمد بلقاس بكيانين: الأول هو فرقة الوفاء المراكشية، التي كانت الإطار الفني الذي قدم فيه محمد بلقاس أروع أدواره على خشبة المسرح في أعمال يصعب انتزاع أثرها من الذاكرة كمسرحية «الحراز» و «سيدي قدور العلمي» و«الدار الكبيرة» و غيرها …
ثم عبد الجبار لوزير الذي شكل إلى جانبه ثنائيا أسطوريا في خدمة البهجة والنكتة الساخرة والفرح بالحياة. فرفقة رفيقه عبد الجبار الوزير قدم بلقاس مئات السكيتشات التي كانت تبث على أمواج الإذاعة الوطنية، فملأت قلوب المغاربة من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها بالبهجة المشرقة، والفرجة الممتعة في زمن لم تكن فيه الفضائيات ولا التجهيزات الإلكترونية لإدخال المسرح الممتع إلى كل البيوت.
“كان بلقاس كما هو شأن جيله من الفنانين العصاميين، يخلق روائع عظيمة، انطلاقا من أشياء بسيطة ونكرة، يجعل منها أمورا ذات معنى، بحيث يعطي للجماد حركة، ويحيي الساكن ويزرع فيه روح الفرجة، بلكنة مراكشية أصيلة نابعة من تراب مراكش «المرصّع»”.
لذلك يرى محبو بلقاس من أبناء مراكش، وكذا متتبعو مسيرته الفنية، أن الراحل محمد بلقاس الذي توفي في 11 دجنبر 2002 بعد مرض ألم به، “ترك أمرين اثنين: أعمال خالدة أبرزها: «مكتب الوكيل»، و«ديرو معنا التاويل»، و«الميت الفضولي»، «وعالجونا»، و«مزاوك في الله»، و«الحراز» في صيغتها الأولى 1968 والثانية 1982،و «سيدي قدور العملي»، و «الدار الكبيرة»، و «مكسور لجناح»، و «هالالاي»… ومسرحية «محجوبة»، و«نص عقل»، و«اللي ما عرفك خسرك»، و«نسيب المديرة»، والأمر الثاني أسرة تحتاج لمن يعيد مجد ربها، ويلتفت إليها وهو المسرحي الكبير الذي أعطى الشيء الكثير للجميع”.
قدم المرحوم بلقاس وزميله ورفيقه في عالم الفن عبد الجبار لوزير المئات من السكيتشات التي كانت تبث على أمواج الإذاعة الوطنية فملأت قلوب المغاربة من شمال البلاد إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها بالفرح الخفيف والبهجة المشرقة في زمن لم تكن فيه لا فضائيات ولا تجهيزات إلكترونية لنشر الفرجة في كل بيت .
كان بلقاس كما هو شأن جيله من الفنانين العصاميين، يخلق روائع عظيمة انطلاقا من أشياء بسيطة، سكنته بلاغة المراكشيين التي تشربها من عالم الحرفيين المتمكنين من منابع فن الملحون والنكتة الجارية على الألسن وخفة الروح.
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…