من ذكريات فطور قروي في شتاء سنة 1958 القاسي
بقلم: ذ.حسن الرحيبي
يستيقظ أبي باكراً يوزع قفاف التّبن على بهائمه الكثيرة الهزيلة والجائعة.. نسمع بجلاء ارتطام بلغته الصفراء العملاقة والمهترئة بكل أنواع الأوحال الممزوجة بروث المواشي والإبل والجحوش ومخلفات الدواجن بأنواعها وأحجامها …
يصدر صوتاً مقتصداً وموزونا بدقة ومقتضباً لا يضيف إليه شيئاً: آنوض هاهْ..! نقوم بتثاقل وتكاسل لنشّ طيور الدجاج والجّاوج الغوّار كي لا تعبث بتبنها القليل ويصبح في حكم مبدأ: رزق قليل وطاحت فيه ذبانة.. !
بعضهم لم يكن يجد ما يطعم به الدواب المتصايحة والمُتشاهقة من حوله فيوجه لها أصبع يده الوسطاني موزعاً عليها بالتّساوي العادل والمنصف «تقلازه» المشين واللّأخلاقي في حق بهائم عجماء بكماء بدون خجل أو حياء: هاكِ اتّي هاك اتّ هاكْ اتّ هاكي اتّي…حتى يرضي الجميع ويعود للنّوالة راضياً مرضياً وساخطاً في نفس الوقت …
تذكرتُ ولد بوعزّة لما اشترى الجمل من جمعة سحيم معتقداً أنه بصحة جيدة، لكنه لزم الگاعة لا يتحرك فاغتاظ مدخلاً أصبعه في مؤخّرته صائحاً: نوض ليَ عامنْ بْلادي واگعد لا بغيت تگعد.. !
أبقار أخرى نجد صعوبةً كبيرة لإيقافها على قوائمها بسبب الجوع والبرد ونومها فوق الأوحال … معركة صباحية نستخدم فيها الأعمدة تحت بطونها لمساعدتها يشترك فيها الجميع كبار وصغار.. لا يمكن الضحك وإلّا تعرضت لصفعة عنيفة: واحد گلبو دمّ ويدگّ الدّوم وواحد يضحك.. !
تستيقظ النساء لتفقّد الكانون أو الموقد في النوالة الگدّامية.. تطرد الكلاب التي اتخذت لها مرقداً فوق رماد الكانون الدافئ بسبب جليد سعد الذّابح حيث “لا وجاه تتشابح ولا كلاب تتنابح.. !”
تكاد الكلاب تطفئ الجمرة المبيّتة للاحتفاظ بالنار بسبب انعدام لوقيد.. يتعرض الكلاب للسبّ والشتم وتكلفيطة عنيفة من عصا احترق طرفها: آسيروا الله يعطيكم سيدي ربّي الجّهَل.. ! ما لگيتوا فين ترگدوا الله يعطيكم مرگد نوبة.. ! طفَيْتوا ليَ العافية الله يطيّح لكم نجمتكم.. !
تنفخ أمي على الجمرة الهابية والتي تكاد تختنق بفعل برودة الجو.. رائحة الخميرة البلدية التي انتقلت من خيمة إلى أخرى عبر قرون مضت بسبب انتقال شيء منها من گصعة لگصعة وخيمة لخيمة مثل شعلة النار أيضاً حيث كانت جمارنا لا تنطفيء أبداً..
نتحلق حول اللّهيب الساخن لتسخين أيدينا الممشگة بشرّ لگطيط لكثرة الشقاء والعمل وأرجلنا المذبوحة أسافل أصابعها بالذّبّيح والتي أكلتها الصيبانة أيضاً بسبب انتقالنا المفاجئ حفاةً عراةً من حرارة الكانون اللّذيذة إلى برودة أوحال الزريبة القاسية..
نتسابق بأعواد الهايشر البيضاء النّاعمة لثقب الأماكن المنتفخة على سطح الخبزة اللذيذة والمشهية فينبعث دخان جميل منها.. بعضنا يأخذ في تدخين أعواد قشبيلة الذرة أو العشلوج..
نفاجأ بصفعة قوية مع تعبير ساخر: هايهايه علك اتّ أبو الزواود غاتخرج تشرب طابا بحال لقرع ولد سي عبسلام.. كان كيگول لي راني عانضحك عليهم آمّي حليمة وهي تلصق فيه ولّى كل نهار غادي جاي للبراكة يفرّت على گرون التّدريحة..!
نتناوب على كأس شاي ساخن ممزوج بشيبة ولد بلبريبري مع شدق خبز ممزوج بكل أنواع الحبوب والقطاني الناتلة (الغاملة) بمذاق الشّرشم ونسرع نحو مدرستنا البعيدة…
ننتظر يوم الإثنين حين يحل السوق ونتسابق عند بائعي البوزروگ تسبق أيدينا أفواهنا: بشحال بوزروگ..؟ نخطف ما تيسر ثم ننتقل جهة مول الفول والشّريحة الكحّولية ومول اللّيمون وهكذا حتى نشبع ونعود للأقسام..!
يكون أبي قد باع إحدى البقرات الگايمات.. لا يخرجها نحو السوق حتى تكون امّي حليمة قد أشعلت ببطنها وقيدة حتى تشنشن في زغبها الذّابل ولونه الشّاحب … كي يكون ثمنها مشنشناً ويتقاتل عليها المشترون وتجار المواشي …
هكذا اعتقدت كما اعتقدت بنت الغالية حين كانت تذهب للگرنة أو رحبة اللحم بسرّة ملح كبيرة ترشها قبل الفجر ليبور اللحم ولا يجد من يشتريه حين يختفي العفاريت والجنون لخوفهم من الملح.. لأن من يلهب أسعار اللحم في نظر الجميع هو اختلاط كثرة الجان وأشباحهم بالإنس وإلهابهم للأثمان بكثرة الأسئلة: بشحال اللحم آمول اللحم فيكثر الدبيب والرواج واللغط والهرج والمرج بدون فائدة..!
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…