ذ. الرحيبي يكتب عن: بّومبة ولد الگرطيطة

بقلم: ذ. حسن الرحيبي

نجلس تحت شجرة كاليبتوس عملاقة أمام حانوت “عبد الله السّيكليس” نستمع لإذاعة طنجة المتميّزة التي كانت تعمل انطلاقاً من الساعة التاسعة صباحاً في انتظار وصول وقت المدرسة..

بعضنا يكتب عقوبةً عدة مرات فرضها عليه أستاذ الفرنسية: تصريف فعل من الأفعال الفرنسية في كل الأزمنة عشرات المرات. صرامة تامة لا مجال فيها للتراخي مع التلاميذ.

لا يمكن مناقشة أي شيء سوى إنجاز الواجبات رغم ظروفنا التي لم تكن ملائمة لأي عمل تربوي أو ديداكتيكي: ما تكاد تصل الخيمة حتى يكلفوك بعمل خارج عن إطار ميدان التعليم: سير تلگّى لاخوك جيب معاه لبهايم.. !

في المساء ما أن يرخي الليل بسدوله ونستعدّ لإنجاز بعض الواجبات حتى يخنقوا الشّمعة الوحيدة البئيسة: نوض ترگد لك على راسك خلي لينا القرطة علاش نفرّشوا اتّا تلايله علينا بحال مّيسى اللّي يطلب حذا العلامة… !

سي لحبيب يخوض في درس حماسي للمحادثة حول النحلة. نسمعه بوضوح يخاطب التلميذ النجيب سي محمد ولد العربي: بلعربي ماذا تعطينا النحلة.. ؟ النحلة تعطينا الشمع والعسل..

نراقب مضخة البنزين الوحيدة باثنين الغربية.. سيارة قديمة جداً ومتهالكة يسوقها بويدية بذراع واحدة من “دوار لمطارگة” قيل لنا فقد ذراعه الأخرى بمطحنة الدوم بمنطقة الكيفان التي أقامها أحد المعمرين الفرنسيين من أجل تحويل الدّوم إلى حلفاء للأفرشة.

لم تكن أفرشة “دولي دول” و”ريشبوند” القطنية الوثيرة والفاخرة قد ظهرت بعد.. بل الحلفة نفسها كانت تشكل فراشاً راقياً للأغنياء في وقت كنا نفترش فيه نحن التبن شتاءً والهايشر لبرومي صيفاً.

يطلب “بويدية” ملء خزّان سيارته ال (vauxhall) الإنجليزية القديمة بلوحة مرقّمة: المغرب 0 نضحك لغرابة التّرقيم.. !

أحفظ جميع التّرقيمات لسيارات الخطّافة: الجّيلالي ولد سي بوبكر وولد حمّو بن الطاهرة ولعور اللي من اولاد سبيطة وعبد الله الخطري وعبد لكريم وجعفر وبنعليلة … لم يكن ثمن البنزين يتجاوز أربع ريالات..

يشرع قربال في ملء الخزان بتحريك ذراع حديدي une manivelle . تبدأ زجاجة كبيرة بأعلى المضخة في الامتلاء والأخرى ينخفض مستواها.. تناوب عجيب بين الملء والفراغ ينسينا عذاب دروس الشكل والنحو والصرف والقراءة والإنشاء واملأ الفراغ الآتي الذي كان يختلط في ذهني مع حصة الإملاء مما يجعلني أؤكد باستمرار للأطفال: راه كاين الإملاء وإملاء الفراغ  …

معركة حقيقية يخوضها سي عبسلام بعصاه الغليظة وأيضاً بالعضّ والخدش والرفس… بل ينسينا حلول وقت الدخول نفسه . يشتغل قربال وفي نفس الوقت يؤدي أغنية مغربية جميلة: كنسوّل نجوم الليل فين غاب القمر.. ؟ يحوّلها للتغني بنجوم الشاي حديثة الظهور: كنسوّل أتايْ النّسَر فين غابت خمسة النّجوم ؟…

يعطيني دحيْمين 10 دريال صفراء عملاقة فقدت قيمتها الشرائية منذ زمن بعيد شبيهة ب 10 دريال الحقيقية مكتوب عليها 50 فرنكاً. بينما الأخرى مكتوب على سطحها 5 فرنكات فقط..

يطلب مني شراء الحمّص المگلي المملح واللذيذ من حانوت كْحيل وردّ الصرف..

لا أنتبه للمقلب بسبب سذاجتي وانشغالي بحركة بّومبة ولد الگرطيطة العسكري..

يراقب الجميع نتيجة طلبي للبضاعة الثمينة.. لا مجال لاستغفال كحيل الذكي . يبدأ بضربي بقوة على ظاهر يدي.. أشعر بالإهانة أمام الجميع لكن أعتبره درساً حقيقياً كي لا ينصب عليّ أحد أو يخدعني  مرةً أخرى تطبيقاً لدرس سي عبسلام السلّومي في الأخلاق: لا يُلدغ المؤمن من الجُحر مرتين.. !