في الذاكرة.. عبد الصمد الكنفاوي “مولا نوبة” الذي أرسى دعائم المسرح المغربي (2/2)
الجديد نيوز: إعداد أسامة بيطار
فضلا عن إبداعاته واهتماماته المسرحية كان الراحل “عبد الصمد الكنفاوي” ديبلوماسيا ومكونا للأطر النقابية وموظفا ساميا بوزارة التشغيل، وكاتبا عاما لمكتب التسويق والتصدير والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ويرى الدارسون لسيرة الكنفاوي أنه “تمكن من خلال إنتاجه الأدبي (نصوص مسرحية وشعرية وجمع الأمثال) من الحفاظ على حريته الفكرية التي عكست روح فنان ملتزم”.
كما “قاده هذا الإلتزام المسرحي المغربي إلى إنشاء وتنشيط المسرح العمالي بالمركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل في نهاية خمسينيات القرن الماضي”.
لم يكن عبد الكنفاوي ينظر إلى المسرح كأداة ترفيهية فقط، بل باعتباره التزاما وموقفا. و”من أجل مواجهة الظلم، استغل عبد الصمد الكنفاوي السخرية التي تعد آلية قديمة للتعبير الجماعي واستلهم منها لغة مشفرة، ونقدية في مواجهة التفاوتات”.
كانت الرغبة في إنشاء مسرح حديث وأصيل، في الوقت ذاته تحذو الراحل الكنفاوي، ومن خلال استعمال اللغة الأم (الدارجة)، كان يعبر عن حاجته إلى تقريب نفسه بشكل ملموس من الحقيقة ومن المجتمع المغربي.
تميزت لغة الكنفاوي باستعمال الاستعارة والمعاني، وهي تقنيات جعلت مسرحياته تزخر بأمثال وأقوال مستواحاة من التراث الشعبي المغربي.
كانت أعمال الكنفاوي تمتح من التراث الوطني القديم ومن ثقافات أجنبية أخرى لاسيما الفرنسية منها، التي كان متبحرا فيها، وقد كيف كتاباته على السياق المغربي وأغناها بخياله الخصب ومرجعياته الثقافية.
ترجم الكنفاوي واقتبس “لفوربوري دو سكابان” وَكَيَّفه مع الواقع المغربي ليحمل اسم “اعمايل جحا”، فيما باتت مسرحية “تارتوف”، تحمل اسم “السي التاقي”.
وقد ميز هذا التلاقح الذي جمع بين الأصالة والانفتاح المشهد المسرحي المغربي الصاعد الذي كان له تأثير بالغ في أعمال المسرحيين الراحلين كالطيب الصديقي واحمد الطيب لعلج وعبد السلام الشرايبي، وكذلك ادريس التاديلي، وأرسى الفن المسرحي في المشهد الثقافي المغربي.
سعى الكنفاوي من خلال التزامه بالجمال إلى إرساء روابط متينة بين الفن والحياة. كان أول عمل مسرحي الكنفاوي قد حمل اسم “الشطابة”، وكتب لاحقا العديد من النصوص المسرحية، من ضمنها عمله الفني المعروف باسم “بوكتف”، و”مولا نوبة” و “السي التاقي” و”سلطان الطلبة”.
كما انتقل إلى العمل المسرحي الإرتجالي من خلال نصه الذي يحمل عنوان “الارتجال على اللحية الزرقاء”، الذي قدم فيه رؤى متعلقة بالمشاهد المسرحية توفر هامشا للعب الإرتجالي على الخشبة
ورغم إسهاماته في تأسيس الحركة المسرحية المغربية، إذ يعد أحد روادها، فإن شخصية الراحل عبد الصمد الكنفاوي تقاطع فيها السياسي بالنقابي والدبلوماسي بالوظائف السامية، إلا أن بصمة “المبدع” ظلت حاضرة فيها، وانعكست فيها شخصيته المركبة والغنية.
كانت العرائش، المدينة التي شهدت ميلاد عبد الصمد الكنفاوي سنة 1928، هي المدينة ذاتها التي سيتعلق بها قلب الأديب الفرنسي “جان جنيه” وسيختار ربوة بها، من دون ربى العالم، لتكون مستقرا سرمديا لجسده بعد أن أوصى بدفنه هناك.
أما الكنفاوي فقد احتضنت أزقة ودروب العرائش وحي القصبة، تحديدا، شغبه الطفولي وهناك تلقى مبادئ القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر له من القرآن.
يرى أحد الكتاب الصحافيين أن “العرائش، بعمقها الحضاري وعراقة حواريها وأزقتها، وفرت لعبد الصمد الكنفاوي ، مجالا خصبا تعرف فيه على التراث والفنون الشعبية، ومختلف الطقوس الاحتفالية التي كان يشهدها حي القصبة العريق والأحياء المجاورة له، والمتمثلة في “ليلات” كناوة وجيلالة وحمادشة والتي كانت زوايا المدينة وأضرحتها مسرحا لها”
ووسط هذه الأجواء، درج عبد الصمد على الاهتمام بالتراث والفنون الشعبية، وهو ما سيفسر إقباله خلال مراحل النضج على استعادة ما خزنته ذاكرته من صور ومشاهد وتعابير أعاد توظيفها في العديد من أعماله المسرحية وكتاباته في ما بعد.
ورغم اضطلاع الكنفاوي بوظائف سامية وحكومية، منها تمثيله الحكومة المغربية في مؤتمر منظمة العمل الدولية في جنيف، فإنه في بداية الستينات سينحاز بشكل مثير للطبقات الكادحة، وسينخرط في صفوف العمل النقابي، بداية بإشرافه على مدارس التكوين النقابي التابعة للاتحاد المغربي للشغل، كما سيشغل منصب المستشار التقني لوفد العمال بالمنظمة الدولية بين سنتي 62 و70، فضلا عن تمثيله للاتحاد المغربي للشغل بكل من الفيتنام والصين وكوبا والاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا، وكذا لدى اتحاد النقابات العالمي.
أما عن مهامه الحكومية فقد شغل الكنفاوي بداية السبعينات منصب مفتش وزارة الشغل والشؤون الاجتماعية والشباب، كما عين أمينا عاما للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى حين وفاته يوم 31 مارس 1976.
ووسط زحمة هذه الانشغالات استطاع الكنفاوي الحفاظ على شخصية المبدع والفنان الكامنة فيه.
وبعد مسيرة حافلة، ما لبث عبد الصمد الكنفاوي أن اشتد به مرض خبيث في آخر حياته، وأسدل الستار على فنان أفنى عمره خدمة للطبقة الكادحة مفتخرا أنه كان ينتمي إليها، حيث توفيسنة 1976.
جنازة تاريخية
تحكي المصادر التي نقلت تشييع جثمان الراحل عبد الصمد الكنفاوي، أن السلطات المحلية بمدينة العرائش أقفلت مقبرة لالة منانة وأوقفت عملية الدفن بها بعد استقلال الوطن وبقيت كذلك حتى ينظر في أمر تحويلها أو تفويتها أو استغلالها بعد مرور المدة الشرعية التي تخول نقل رفاة كل الراقدين بها إلى قبر جماعي خارج أسوارها فتصبح متاحة وجاهزة للاستغلال.
لكن وفاة أحد أشهر أعلام مدينة العرائش والمملكة المغربية، الدبلوماسي الأديب الكاتب المسرحي عبد الصمد الكنفاوي في 31 مارس 1976 سيتسبب في كسر هذا القرار، فقد وضع الحدث المسؤولين المحليين في تضارب وحيرة وارتباك، حيث إن هناك من رخص بدفن الفقيد بزاوية سيدي عبد الكريم، وهناك من أمر بدفنه بالزاوية المصباحية إلى أن جاء القرار النهائي الحاسم بدفنه في زاوية الولية الصالحة لالة منانة المصباحية وسط حشد رسمي يمثل القصر الملكي وحكومة المملكة ومختلف ممثلي السلطات المركزية والمحلية والتمثيليات الحزبية والنقابية والمدنية، إضافة إلى حشد شعبي لم تعرف المدينة مثيلا له قبل ذلك.
عادت الأمور بعدها إلى طبيعتها حيث بقي الدفن بالمقبرة ممنوعا ، إلى أن بدأت الاستثناءات التي فرضها بعض الأعيان الذين تحججوا بدفن الكنفاوي فيها ثم أخدت بعض العائلات الشهيرة بدفن ذويها بجوار الولية المصباحية، ثم أصبح الأمر شيئا فشيئا متاحا من جديد لكل السكان الذين تربطهم في واقع الأمر علاقة قوية بهذه المقبرة.
البريد الالكتروني:
Aljadidnews.oussama2020@gmail.com
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…