في الذاكرة: الطيب الصديقي.. بديع المسرح المغربي والعربي
الجديد نيوز: إعداد أسامة بيطار
بعد مسرحية “قدور نور وغندور” المقتبسة عن (فاندو وليز) لفرناندو أربال، سيلج الطيب الصديقي – يقول أحد الباحثين – “مسلحا بأدواته المسرحية التي راكمها من خلال تجاربه السابقة، فنا شعريا يكتنز بعناصر الدراما، ألا وهو فن الملحون”، حيث “سيعمل عام 1970 على إخراج مسرحية من أهم العروض الفرجوية في ريبرتوار المسرح المغربي، إنها مسرحية (الحراز) للكاتب عبد السلام الشرايبي”.
ورغم تقديم فرقة “الوفاء المراكشية” عام 1968 نفس المسرحية والصدى الكبير الذي خلفته لم يتردد الصديقي في إعادة تقديمها بصيغة مختلفة.
أما “مقامات بديع الزمان الهمذاني”، وهي متن أدبي يعود يناهز ألف سنة بين كتب الترات، فقد كان لها مع الصديقي موعد عام 1971 حيث سيشتغل عليها مسرحيا بصيغة فرجوية لم يسبقه إليها أحد.
وفي هذا يرى النقاد ممن واكبوا تاريخ المسرح المغربي أن ” ليست الجرأة في الإقدام على اقتباس نص تراثي مسرحيا ما كان جديدا في تلك المرحلة أو في هذه التجربة التي كان لها صداها الكبير وكرست اسم الصديقي كرائد مسرحي عربي.. بل الجديد هو إيجاد المعادل الفرجوي البصري والسينوغرافي الجمالي على خشبة مسرح سبعينيات القرن التاسع عشر لمقامات الهمذاني التي كتبت في القرن العاشر الميلادي. والتي لم تكتب كمشروع عرض مسرحي طبعا. لكنه لم يكن ينقص حكايات المقامات وشخصياتها وحواراتها ومواقفها ومشاهدها المكتوبة إلا مخرجا موهوبا وذو ثقافة مسرحية تخوله القدرة على استنباط كل تلك العناصر المسرحية الثاوية في طي كتاب الهمذاني” لأن الصديقي يعتبر المقامات “أول مسرح عربي مكتوب”.
بعد تجربة (مقامات بديع الزمان الهمذاني) والتي جالت في بلدان عربية وغربية ووصلت حتى إيران، أخرج اليديقي العديد من المسرحيات منها “النور والديجور” التي ألفها عبد السلام الشرايبي والصديق الصديقي، “كان يا مكان أو مغرب 73” لمحمد سعيد الصديقي والطيب الصديقي، “السفود” و”خرافة المسكين” من تأليف الطيب الصديقي.
في هذه الفترة سيبادر الصديقي إلى فكرة (المسرح الجوال) حيث سيتنقل بفرقته حاملا خيمة سيرك ليقدم المسرح للناس في الأماكن التي لا يصلها المسرح، وسيكون للاسم الذي سيطلقه على فرقته منذ هذه اللحظة أكثر من دلالة (مسرح الناس)..
إنها مرحلة تعزز فيها خروج مسرح الصديقي إلى الساحات والأسواق والشوارع.
ستكون مسرحية “الغفران” لعز الدين المدني المقتبسة عن رسالة الغفران للمعري – كما تذكر المراجع المسرحية – أن آخر عرض ينجز في إطار المسرح البلدي قبل مغادرة الصديقي له عام 1976. وسيكون بعد تقديم مسرحية “بوكتف” لعبد الصمد الكنفاوي في ذكرى رحيل هذا الاخير 13 مارس 1976.
توقف الطيب الصديقي طويلا عن نشاطه المسرحي، حيث استغرقت فترة الغياب حوالي خمس سنوات.
وفي 1981 سيخرج الصديقي مسرحية ستتخذ من تاريخ مدينة الصويرة موضوعا لها، وهي “إيقاض السريرة في تاريخ الصويرة” من تأليف محمد سعيد الصديقي.
وبعد توقف آخر سيعود الصديقي عام 1984 إلى الخشبات بعرض “كتاب الإمتاع والمؤانسة أو أبو حيان التوحيدي”، وهي مسرحية تستلهم حياة وموت أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء أبو حيان التوحيدي. المسرحية التي كتبت وفق المعايير المسرحية الكلاسيكية، يقول عنها الصديقي، إن “اقتباس كتابات التوحيدي يدخل في إطار إحياء النصوص الثراتية”، التي يعتبرها صاحب عرض المقامات “نصوصا حاملة لعناصر الدراما القابلة للتشخيص والإخراج على الخشبة” كما أثبت ذلك من خلال العروض التي قدمها.
بعد هذا العرض ستتجه تجربة الطيب الصديقي المسرحية صوب مبادرة من نوع خاص، وهي إخراج مسرحية “ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ”.. مسرحية عربية يعتبرها الصديقي من أهم التجارب التي أنجزها وكان قد سماها ونضال الأشقر بعيد مسرحي، وكذلك كان..
عيد احتفل فيه ممثلون وفنانون من دول عربية مختلفة وفجروا فيه إبداعاتهم ومهاراتهم الفنية وداعبوا عبره حلم لمّ الشمل.
كان التأليف للكاتب وليد سيف عن فكرة نضال الاشقر التي أنتجت المسرحية للمساهمة في مهرجان جرش بالأردن، موسيقى العرض من توقيع الموسيقار منير بشير.
وقد عرضت في عدة مدن عبر العالم ومنها لندن بالمسرح (روايال ألبيرت هول) العريق.
وتعتبر مسرحية “ألف حكاية وحكاية من سوق عكاظ”، أول وآخر تجربة إبداعية في المشهد المسرحي العربي في تجربة الطيب الصديقي اجتمع فيها ممثلون وفنانون من عدة أقطار عربية.
لم يكتف الطيب الصديقي بتقديم مسرحيات عربية، بل إنه قدم مجموعة من العروض المسرحية باللغة الفرنسية من تأليفه وإخراجه داخل وخارج المغرب منها “الشامات السبع” عام 1991، “خلقنا لنتفاهم” 1993، “موليير أو من أجل حب الإنسانية” 1996… وعروض أخرى زاوج فيها بين اللغة الفرنسية والدارجة المغربية كمسرحية “ليلة هدم المسرح” سنة 2002 و”عزيزي” 2005، التي أنجزها تكريما لأخيه سعيد الصديقي الملقب ب “عزيزي”.
خلال مرحلة التسيعنيات، كما يوثق ذلك دارسو تجربته هذا الفنان المبدع، ركز الطيب الصديقي وافر جهده للبحث في (البْساط)، وهو الشكل الفرجوي الذي عرفه المغرب في القرن الثامن عشر زمن السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757/ 1790).
وهو عبارة عن تمثيليات تقدم أمام السلطان تتضمن في الغالب شكاوى من رجال السلطة. وإذا كان مسرح (البساط) يقوم على الترفيه والنقد الاجتماعي، فإنه كما يقول الدكتور حسن المنيعي “قد ابتدع شخصيات أمثال «الساط» الذي يرمز إلى القوة، و«حديدان» الذي يتألق بنكران الذات وحب الغير. أما الممثلون، فقد كانت لهم أسماء خاصة نذكر منها «البوهو» و«لمسيح».
ومن (بساطات) الصديقي الفرجوية كتابة وإخراجا وسينوغرافيا: “جنان الشيبة”، “ولو كانت فولة”، “قفطان الحب المرصع بالهوى”، “السحور عند المسلمين، اليهود والنصارى”، “الفيل والسراويل”…
“اشتغل الصديقي – حسب مواكبي إبداعه- على المفردات الفرجوية الشعبية التي تزخر بها الثقافة الشفوية والبصرية المغربية لصناعة فرجة (بساطاته)، وفق منظور فني وجمالي لا يتكأ على مهاراته في نحت منطوق الشخصيات فحسب، بل طريقة نطق وأداء الممثلين أيضا، وليس على الموروث الشفوي فقط، بل مخزون الذاكرة الجمعية من التعبير الجسدي أيضا، وليس تأثيث الفضاء بمفردات الفرجة الشعبية وحدها بل توظيف المواد والألوان والكتل والأحجام والملابس بإحساس خاص ورؤية مخرج متمرس، مخرج خبر المسرح بمختلف أشكاله وأساليبه الكلاسيكية منها والمعاصرة وأشرِب في وجدانه وفكره ثقافة موروثنا الشعبي الفرجوي، فانصهر كل ذلك في عروضه ليصنع صورة خاصة للفرجة المسرحية التي نُحتت وتطورت وفق صيغة دراماتورجية صدّيقية مبتكرة”.
يقول الدكتور حسن المنيعي: “أطلق الطيب الصديقي رسميا تسمية (البساط) على الشكل المسرحي الذي يمارسه، ليقف إلى جانب المسارح العالمية باعتباره صيغة درامية تنفتح على كل الفنون، وعلى كل القيم الكونية (…) لهذا لعب دورا كبيرا في تاريخ المسرح العالمي ما دام أنه حاضر بقوة في الإنتاجية المسرحية العربية، وكذا في البحث الجامعي (في المغرب وخارجه) وخصوصا في ذاكرة الجمهور الذي طالما استمتع بتجربته (…) إنه فنان يستحق أن نفخر به”.
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…