في الذاكرة.. عندما أغضبت مسرحية الطيب الصديقي “الأكباش يتمرنون” الملك الحسن الثاني
الجديد نيوز: إعداد أسامة بيطار
يقول أحد الباحثين المواكبين لتجربة المبدع فيلسوف المسرح المغربي إنه “في عام 1967 ستعرف تجربة الصديقي منعطفا حاسما سيكون له تأثيره على المشهد المسرحي المغربي والعربي عندما سيُتحف الجمهور والنقاد والمتتبعين والمهتمين بالشأن المسرحي بواحدة من عيون المسرح المغربي، إنها مسرحية (ديوان سيدي عبد الرحمن المجدوب)”.
فالشخصية المحور لهذا العمل المسرحي تتركز على “المجذوب”، الشاعر الشعبي المغربي المعروف، الذي يعد صاحب نفحة صوفية.
لقد “شيّد الصديقي، في ما يشبه منعطفا فنيا جذريا، عرضه المسرحي هذا، على متون من الثقافة الشعبية ومشاهد من حياة المجذوب ونصوصه الشعرية بأسلوب فني يعتمد على (الحلقة) قالبا فرجويا”.
لقد كانت هذه “المرة الأولى في تاريخ المسرح المغربي – يقول أحد الدارسين – التي نقل فيها الطيب الصديقي الحلقة باعتبارها فضاء جغرافيا وثقافيا وجماليا إلى البناية المسرحية باعتبارها فضاء للآخر الغربي المزروعة في المغرب”.
لم تتوقف تجربة الصديقي عند هذا العمل، وإنما توالت المسرحيات بالعمل الفني “مولاي اسماعيل”، الذي كان عملا لأخيه المبدع صاحب القلم الذهبي الراحل “سعيد الصديقي” الأخ الأكبر للطيب الصديقي.
كانت مناسبة العرض الذكرى العاشرة لتأسيس الفرقة (النقشة) اقتبسها الصديقي عن “مذكرات مجنون: لنيكولاي غوغول وشخصها الممثل الجزائري أحمد أكومي، لتتوالى الأعمال المسرحية المبدعة بعمل “الراس والشعكوكة” من تأليف سعيد الصديقي، ثم مسرحية “الأكباش يتمرنون” عام 1969 من إبداع الطيب لعلج عن فكرة الطيب الصديقي، والتي لن تعرض إلا عرضا يتيما في الجزائر حيث ستمنع السلطات تقديمها في المغرب.
يقول الكاتب الصحفي محمد الأشهب عن مسرحية (الأكياس يتمرنون)، إنه “عندما كتب الصحفي محمد علي الهواري، في جريدة «الشعب» الجزائرية، أن الهرمين التقيا أخيرا، كان يشير إلى تكامل يصنعه ثنائي مبدع، وإن اختلف منظور كل منهما لمفهوم الفرجة المسرحية.
ويضيف أنه “كان حظ الجمهور الجزائري أنه شاهد تحالف الصديقي والعلج في لحظة لم يكتب للمغاربة أن يعاينوه”ا. وزاد في تعقيد الموقف أن “صحيفة (لوموند) الفرنسية كتبت عن ذلك العمل المشترك، بأن «الأكباش في المغرب يتمردون» على السلطة السياسية، مع أن المسرحية كان عنوانها «الأكباش يتمرنون». وما بين التمرد والتمرين فوارق في الحالة، على أن الطبيعة تشي بأن الخراف لا تتمرد”.
يضيف محمد الأشهب “كان عنوان المسرحية مثيرا في شكله وتوقيته وإيحاءاته، وصادف أن عرضها الأول التأم في الجزائر بمناسبة مهرجان للثقافة الإفريقية. وانهالت أقلام نقدية تربط بين أكباش الصديقي والعلج، وما كان يعرفه المغرب من احتقان اجتماعي وسياسي. وحُمِّل العرض الذي كان يتساءل ماذا سيحدث لو شكلت الخراف جبهة رافضة ضد نحرها في مناسبات الاحتفالات؟ أكثر مما يحتمل”.
“مازح العلج رفيقه في العمل الطيب الصديقي بأن عليه أن يصب الماء البارد على شعره استعدادا لحلقه.. لأنه كثيف الشعر، وتذرع بأنه يحلق ذقنه بنفسه، لكي يحافظ على لحيته المهذبة. وتعمد الرجلان إخفاء هواجسهما بأن المسرح يعود في أصله إلى «التمسريح» أي الهزل واللعب. ولا داعي إذن لحشو ذلك العمل بأكبر من مقاصده. ففي النهاية لا أحد يعرف ما تفكر فيه الخراف قبل نحرها، بل إنها لا تتوفر على عقل يطرح الأسئلة”.
ويضيف الأشهب أنه “عاد المبدعان إلى المغرب في ختام المهرجان الثقافي الإفريقي، وبدل أن يجدا في انتظارهما التشجيع والتقدير والتهليل، دعيا على استعجال للالتحاق بالقصر الملكي في الرباط. حكى العلج أنه استفسر زميله الصديقي عما يتوقع حدوثه، لأن له تجربة في هذا المجال.. فكاشفه الصديقي بأن في العرض خيرا، لأن الإيذاء لا يتطلب توجيه أي دعوة. وتوكلا على الله صباح يوم ليس مثل كل الأيام”.
يقول المصدر ذاته “بلا ترحيب أدخلا إلى غرفة صغيرة، ضمت كرسيين للجلوس، على غير طقوس الحفاوة على الأرائك وتقديم كؤوس الشاي والحلويات التقليدية.. كان ذلك كافيا لقراءة الكتاب من غلافه. وكلما مر الوقت ارتفع منسوب القلق والتوتر والانتظار.. فلا أقسى من أن يجهل المرء ما ينتظره”.
لقد سبق للكاتب الطيب العلج أن جمع شتات مثل هذه اللحظات في إحدى مسرحياته التي عرضت إلى تجربة متهم أدين بالإعدام، لم يشغله الحكم بقدر ما كان يؤرقه السؤال بشأن حلول موعده، وانتهت المسرحية بأن طلب أكلة لذيذة، لكنها كانت محشوة بالسم الزعاف.
يقول الأشهب “ذاك مصير في مسرحية مأساوية، وهذا «عذاب» في الواقع المعيش. بيد أنه في كل مرة تتحرك الأصوات والأقدام، ينبعث بعض الأمل. طافت عقارب الساعة نصف الكرة الأرضية وهما ينتظران من الساعة الحادية عشرة إلى السابعة مساء. وعندما جاءت البشرى نهضا للسلام على الملك الراحل الحسن الثاني، لكنه أبعد يديه قائلا: «بلاش هذا التملق».
سأل الحسن الثاني بغضب: من منكما الكبش الأول ومن الكبش الثاني؟ أدرك المسرحيان أن القصة وما فيها ذات صلة بالعرض الذي قدماه في الجزائر، تذرع الصديقي بأنه ليس مؤلفا، وكل فعله أن أخرج المسرحية في قالب فني، لا يزيد عن دوره كمخرج. وسارع العلج إلى القول إن الفكرة استوحاها من الطيب الصديقي الذي يعتبر مؤلفها الرئيسي.
يضيف الأشهب “تركهما الحسن الثاني يتبادلان التهم، أفرغ كل واحد منهما ما في جعبته حيال الآخر، ثم انصرف داعيا لهما بالهداية”. وفي رواية أنه قال إن “مسؤولية الفنانين أن يقدموا ما يساعد في تنمية الأذواق وصون سمعة البلاد. وقد يكون ما حز في نفسه أكثر أن التأويلات ذهبت إلى أبعد مدى”. وقال بهذا الصدد: «المغاربة أسود وأبطال وليسوا كباشا أو نعاجا».
يشير الصحفي محمد الأشهب في مقالته إلى أن “تلك كانت المرة الأولى التي تبرأ فيها مبدعان مما أنتجاه بمحض إرادتهما. وبعد ثلاثين سنة تحديدا، انفتحت القلوب أمام أشكال من البوح العلني. وتسابق «الطيبان» الصديقي والعلج في نسب «الأكباش يتمرنون» إلى نفسيهما. فقد أصبح العلج يدعي التأليف وبعض الإخراج ونافسه الصديقي في القول ذاته.. إلا أن تلك المسرحية لم يكتب لها أن تعرض في المغرب، يقول محمد الأشهب.
البريد الالكتروني:
Aljadidnews.oussama2020@gmail.com
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…