النقيب الجامعي يكتب: كورونا والاختناق بالسجون.. خذوا الحذر قبل حلول الخطر
غير مسموح أبدا لأي كان أن يستخف بالخطر الذي قد يصل للسجون والمخاطر التي قد تلحق بالسجناء من جراء وباء الكورونا فيروس، إذ كيفما كان قدر الاحتياطات والحسابات التي قد يكون المسؤولون على المستوى الحكومي ومستوى مندوبية السجون قد تجندوا لوضعها للتصدي للمرض القاتل لو تسرب للعنابر وأمكنة اكتظاظ النزلاء، فإن الموضوع ينادينا كلنا للتفكير فيه باستعجال باعتبار خصوصية فضاءات السجون المغلقة بساكنيها الكثيفة وبإمكانياتها المحدودة .
وليس لأحد مهما كانت مواقعه في السلطة التنفيذية أو القضائية أو الإدارية، أن يستخف بنصيبه من المسؤولية فيما تعرفه السجون من ازدحام التي تأوي ما يناهز الثمانين ألف سجينة وسجين منهم الاحتياطيون والمحكومون، فالحكومة مسؤولة أمام سياستها الجنائية التي تعتمد أساسًا على المقاربة العقابية والسجنية المسبقة قبل المحاكمة، من القضاة لهم مسؤولية من خلال إجراءات الاعتقال الاحتياطي وملء السجون بهم وهو الوبال والمصيبة والمرض الذي عجزت السلطة التنفيذية والقضائية عن إيجاد حل علمي ومنطقي وحقوقي له، وبالتالي على من اختار هذه السياسة في مجال العدالة الجنائية ومن يصر عليها أن يعترف بسوء اختياره وأن يبحث للسجن عن وظيفة غير المقبرة المؤقتة، ويبحث للسجناء كبقية المواطنين عن حلول للوقاية القبلية من وقوع الوباء.
إن الدولة وكل السلطات تلح على الوقاية وتصب الجهد إعلاميا وصحيا وأمنيا للتوعية بأمرين أساسيين أولهما تجنب التماس والازدحام والابتعاد مسافة متر على الأقل بين فرد وفرد، وثانيهما النظافة وتنظيف اليدين أكثر من مرة بالصابون والسائل المنظف، لكن لا أحد من المسؤولين في الحكومة، لا وزارة حقوق الانسان ولا وزارة الداخلية ولا وزارة الصحة ولا وسائل الإعلام طرحت وضعية الازدحام ومخاطره على السجون وعلى السجناء وعلى موظفي السجون وحراسها، ولا أحد سمعناه من المسؤولين قدم مقترحات أو حلولًا تنفع في وقاية السجون والنزلاء والموظفين من خطر الإصابة، في الوقت الذي يعلم الجميع ويعرف باليقين أن مرفق السجون مرفق اجتماعي ونزلاء السجون مواطنون كبقية المواطنين وموظفي السجون الشبه أمنيين لهم كذلك الحق في الرعاية والحماية وضمان السلامة، ولا يمكن بالتالي غياب أو تغييب هذا المرفق من برامج الوقاية والحماية والتصدي والتعبئة المحلية والوطنية من كل الأطراف المعنية لمنع دخول الوباء للسجون عبر بوابات وشبابيك الحديد وأسلاكه الشائكة.
رقم الساكنة مخيف، وأعداد السجناء في ارتفاع من نساء ورجال وأحداث، ورقم مخيف من النزلاء من كل الأصناف منهم المصابون بأمراض مختلفة عضوية ونفسية وعقلية وغيرها، وإجراءات أولية واستعجالية مفيدة ومحدودة اتخذتها المندوبية العامة للسجون، وأوامر بالاعتقال لازالت تصدر لحد اليوم ولو بنسب مخففة بعد تعليمات رئيس النيابة العامة، كل هذا وذاك لن يغير في اعتقادي من الوضع الخطير للسجون شيئًا، ولن يمنع من احتمال وقوع المصائب على النزلاء. وهو الأمر الذي يفرض على الدولة وعلى السلطات الإسراع بوضع وبإعلان مخطط لحماية السجون والسجناء باستعجال، قبل وقوع النكبة لا قدر الله، و يفرض التجاوب كذلك مع نداءات المنظمات المتخصصة في مجال السجون والجمعيات الحقوقية، بل إشراكهم في عملية البحث والوقاية والحماية والمتابعة.
وللمساهمة في التفكير لحلول ناجعة سريعة وفي العمل من أجل وقاية السجون والسجناء لابد من إجراءات تنطلق في اعتقادي وبالأساس من:
أولا: قيام رئيس الحكومة بعقد اجتماع مستعجل طارئ باعتباره المسؤول السياسي على قطاع بالسجون وعلى أوضاع السجناء الإنسانية والاجتماعية، مع وزير العدل والمندوب العام وأطر المندوبية ومدراء السجون والجمعيات المشتغلة في السجون وجمعيات حقوقية مهتمة، فضلًا عن وزارة الصحة ورئاسة النيابة العامة وغيرها من المصالح الأمنية المعنية، وذلك من أجل جمع العناصر الضرورية لمخطط الانقاذ، بداية من الوقوف على حالة السجون عامة وعدد النزلاء في كل واحد منها، وما هي نسبة الاكتظاظ المسجلة في كل سجن، وما هي وضعية صحة النزلاء وعدد المرضى ونوع مرض كل واحد، وما هو مخزون الأدوية بالصيدليات بها، وأهمية الأدوية المتوفرة بكل سجن ونوعها وما هو المستهلك منها وما هو الفائض.
ثانيا: التأكد من وجود أو عدم وجود حالات أولية أو مرضية بالكورونا فيروس، وهل وصلت الإصابة للوسط السجني وتحديد أي السجون قد أصيبت وأية مرافق أصيبت بها، وما هي الإجراءات المستعجلة التي اتخذت والعلاجات التي قدمت، مع معرفة أسباب وصول عوارض المرض أو وصول المرض نفسه للسجن.
وبالطبع معرفة عدد الأطباء المتعاقدين والمتطوعين وعدد مساعدي الأطباء ونوعية التجهيزات المتوفرة في كل سجن لعلاج الإرهاصات المرضية والتدخل بنجاعة للتصدي لها الوقوف على نسبة الخصاص من عدد الأطباء ومدى توفر السجون على الأدوية ضد الأنبوبية المعدية.
ثالثًا: حصر الحلول المستعجلة المسطرية والقانونية والإنسانية المفروض اتخاذها بسرعة لمنع وصول أية إصابة بالمرض أو علاماته للسجون أو للسجناء أو للموظفين بها، مع اتخاذ الإجراءات الناجعة والحاسمة التي يتطلبها تخفيض وتقليص عدد السجناء المزدحمين بالعنابر والبنايات ووضع التدابير لوقف مخاطر حالة الاكتظاظ بالسجون التي هي أقوى وأخطر سبب للإصابة بالكورونا فيروس المعدي.
رابعا: وضع وتحديد مخطط استباقي للإنقاذ ومنع دخول وانتشار العدوى قبل ظهور علامات الوباء، مع استعراض ما يمكن أن يتم منذ الآن من تدابير استباقية وبالخصوص مقترحات ناجعة منها:
مقترح تخفيض نصف عدد السجناء من خلال: عفو يستفيد منه المسنون لأكثر من ستين سنة، عفو صحي يستفيد منه المرضى المقيمون بالمصحات والمستشفيات وممن لم يتحقق لهم الاستشفاء والعلاج لسبب أو لآخر، عفو اجتماعي عن النساء اللواتي لهن أبناء صغار خارج السجن متكفل بهم وممن قضين نصف المدة من العقوبة، عفو إدماجي وإصلاحي مما بقي من مدة السجن ممن لم يبق على نهاية عقوبتهم سوى شهر فأقل، عفو حقوقي عن كل معتقلي حراك الريف وغيرهم من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والصحافة، عفو دبلوماسي عن السجناء الأجانب المحكومين من أجل جنح غير المتعلقة بالاعتداءات ضد الأطفال أو استغلالهم، وعن طريق ومن خلال: رفع الاعتقال الاحتياطي عن المعتقلين في قضايا جنحية من غير الاعتداءات على الأطفال، والذين لازالوا في أطوار البحث ولم يحْكَمُوا بعد، ومن خلال تحويل عقوبة السجن النافذ للسجن الموقوف ممن حوكموا ابتدائيا بأقل من ستة أشهر، ومن خلال رفع الاعتقال الاحتياطي عن النساء السجينات غير المحكومات، ومن خلال عدم الأمر بالحراسة النظرية وبالاعتقال الاحتياطي في ما سيحصل من أفعال تكتسي صبغة الجنحة من غير أفعال الاتجار في المخدرات والاستهلاك والاعتداء على الأطفال والنساء والأبوين.
ومن خلال استعمال البدائل القانونية مثل تدابير المراقبة القضائية contrôle judiciaire كبديل عن الاعتقال الاحتياطي من قبل قضاة النيابة العامة والتحقيق والحكم.
وأخيرًا من خلال تفعيل مسطرة الإفراج المقيد وهو ما يعني قضاء العقوبة بمسكن المعتقل prison à domicile.
إن السجون المغربية تختنق فهناك من تتعدى طاقته ثلاثة أضعاف، وأن المندوبية العامة للسجون غير قادرة على أن تتحمل وصول وانتشار الوباء بالسجون وغير قادرة على تطبيق وتنظيم تدابير السلطات العمومية داخل السجن، وبالخصوص تطبيق قواعد الوقاية مثل مسافة الأمان بين السجناء لأنهم يعيشون في زنازين مشتركة ويستحمون في حمامات مشتركة ويتجولون في ساحات مشتركة، بل لن تقدر على ذلك لا حكومة ولا مصالح الصحة، ومن هنا كل العواقب منتظرة وكل الاضطرابات محتملة وكل الصراعات محتملة، ولا يبقى من حل سوى الإسراع وإخراج النصف على الأقل من الساكنة من السجون من خلال المخطط المقترح أعلاه، وهو ما يتطلب تعبئة قضاة تنفيذ العقوبة، ولجنة العفو، ووزارة العدل، ورئاسة النيابة العامة، ومؤسسة محمد السادس، والمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ولجنة مراقبة أماكن الاحتجاز بالمجلس الاستشاري، فضلًا عن وزارة الصحة ورئيس الحكومة الذي عليه واجب التحرك قبل أية جهة أخرى ما دامت السجون والمندوبية جهاز تحت نفوذه.
إن مثل هذه الحلول الاستثنائية التي تفرضها حالة السجون وواقعها الأليم ويفرضها الخوف على سجناء لهم الحق كمواطنين محتجزين في الحماية والإفلات من الجائحة، وتفرضها كذلك التعبئة الوطنية لمقاومة الوباء ومحاصرته والذي حل بالمغرب ولا يدري أحد متى سيتوقف وإلى أين يتجه، ولا يدري أحد من سيصاب به ومن سينجو منه، لابد أن تكون كلها من الخيار ات الأساسية لإنقاذ أكبر عدد من المعتقلين السجناء، ومن الحلول التي ستسعف فضاءات السجون المغلقة والمعزولة من العدوى والمرض وأخطاره.
لقد دخل الكورونا فيروس سجون فرنسا التي وصل عدد السجناء بها إلى السبعين ألف سجين (أقل من سجون المغرب بحوالي عشرة آلاف) بعد التي تهاونت ولم تتخذ الاحتياطات منذ بداية وصول الوباء. ولقد مات أول سجين يبلغ 74 سنةً من العمر، وكان مصابا بداء السكري، ولقد تحركت العديد من الجهات لإطلاق صفارات الإنذار ومنها نقابة القضاة syndicat de la magistrature، وجمعية قضاة تنفيذ العقوبات JAP ، والمراقب العام لأماكن الحرمان من الحرية، CGLPL ، والمرصد الدولي للسجون L’Observatoire International des Prisons ، وتحلت كلها بالشجاعة لاقتراح حلول مستعجلة قبل وقوع المأساة بسجون فرنسا، مما اضطرت معه وزيرة العدل إلى الالتزام باتخاذ إجراءات في اتجاه فتح معالجة اختناق السجن وإنقاذه من انتشار الكورونا فيروي والتقليل من عدد النزلاء معالجات ميطربة قضائية وسياسية.
فهل تنتشر عندنا اليقظة وتدخل مكاتب المسؤولين وعقولهم، قبل أن تدخل الكورونا فيروس السجون فتصبح الزنازين قبورا للسجناء.. ؟؟
الرباط : 22 مارس 2020
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…