‫الرئيسية‬ وجهة نظر الدافري يكتب: إعلام جديد لأي نموذج تنموي جديد..؟
وجهة نظر - 27 يناير 2020

الدافري يكتب: إعلام جديد لأي نموذج تنموي جديد..؟

الجديد نيوز

هل يمكن للإعلام أن يتحول إلى رافعة لدعم العملية التنموية داخل المجتمع، وأن يساهم في تحويل أفراد المجتمع إلى فاعلين تنمويين..؟
الجواب يقتضي أولا إدراك طبيعة الوظيفة التي ينبغي لوسائل الإعلام أن تؤديها في العصر الحالي الذي باتت فيه تكنولوجيا المعرفة والتواصل أداة فاعلة في تيسير سبل العيش وتلبية متطلبات الحياة اليومية.

فوسائل الإعلام اليوم لم تعد منحصرة في لعب الأدوار التقليدية التي تتمثل في الإخبار والتثقيف والترفيه. بل تحولت إلى وسائل حيوية لتحقيق أغراض ذات طبيعة تنموية داخل المجتمعات.

ولأداء هذه الوظيفة التنموية، وجدت نفسها ملزمة بفهم الظروف التي يمر منها العالم وما يشهده من تحولات اقتصادية وتغيرات اجتماعية متسارعة، وبالاطلاع على نماذج الإنتاج وأنماط الاستهلاك في مختلف البلدان سواء كانت هذه البلدان في طور النمو أو ذات بنيات تنموية متقدمة.

المقاربة الجديدة الآن التي أصبحت معتمدة في عدد من البلدان في العالم، تتمثل في البحث عن الآليات التي يمكن أن تجعل من كل أفراد المجتمع قادرين على المساهمة في التنمية الاجتماعية، وذلك من خلال تيسير الشروط والظروف التي تساعدهم على تحقيق هذا الغرض. أي أن يتحولوا إلى أفراد منتجين ومسؤولين عن الارتقاء بدخلهم الفردي.

والتنمية الاجتماعية الناجحة، تقوم على عدد من الأسس التي يجب على وسائل الإعلام أن تساهم في التعريف بها وبلورتها عن طريق مجموعة من المواد الإعلامية، المقروءة والسمعية البصرية، بالشكل الذي يمكن من خلاله أن يترسخ هذا المفهوم في الأذهان، ويساهم في دفع أفراد المجتمع إلى الانخراط فيه بتلقائية وقناعة وحماس.

ومن بين القضايا التي يمكن أن تساهم وسائل الإعلام من خلالها في بلورة مفهوم التنمية الاجتماعية، هناك مثلا :
– إعطاء تصورات حول كيفية خلق فرص الشغل، وبالخصوص من خلال مشاريع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني المدرة للدخل.
– المساهمة في الارتقاء بمستوى التعليم داخل الفئات غير المتمدرسة.
– تثمين المبادرات المرتبطة بالعلاج وبالخدمات الصحية عن طريق المواكبة.
– المساهمة في خلق روح التضامن والتآزر بين الفئات الاجتماعية من خلال التوعية والتحسيس.
– فتح النقاشات العمومية لبلورة مشروع اجتماعي تنموي انطلاقا من المؤهلات والطاقات التي يتوفر عليها البلد.

غير أنه لا يمكن لأي مشروع اجتماعي أن يكون ناجعا إلا إذا كان نابعا من إرادة سياسية واجتماعية قادرة على تجاوز الخلافات الإيديولوجية والصراعات الهامشية ونزعات الإقصاء.

ففي الكثير من المجتمعات السائرة في طور النمو يكون الشرخ داخل الفئات الاجتماعية ناتجا عن جملة من الممارسات، منها النزوع الدائم نحو تحقيق مصالح ضيقة لا تعود بالنفع على الجميع، وتساهم وسائل الإعلام في إحداث هذا الشرخ، من خلال تأجيج الصراعات حول هذه المصالح الضيقة، وعبر تعميق التطاحنات التي تؤدي إلى توسيع دائرة الانقسامات والفوارق الاجتماعية، فتحل الإيديولوجيا محل العلم، وتطغى البروباغندا على الخطابات الإعلامية..

فالمشروع الاجتماعي لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان يقوم على التواصل الناجع بين جميع الفئات الاجتماعية، وكان قادرا على تحويل الفرد من مجرد مطالب بالتنمية الاجتماعية إلى مساهم في صناعة التنمية الاجتماعية.

إن وسائل الإعلام يمكن أن يكون لها دور محوري في التنمية الاجتماعية، من خلال عدد من الوظائف التنموية، كتعزيز المنظومة التعليمية عن طريق خلق منصات لتعليم اللغات الأكثر استعمالا في العالم، والترفع عن تداول أخبار اشخاص لا قيمة لهم من الناحية العلمية أو الفكرية أو الإبداعية أو الثقافية، والالتزام بأخلاقيات المهنة، وعدم شخصنة العلاقات الاجتماعية بالتركيز على الحياة الخاصة للناس بدل حياتهم العامة، وتثمين المبادرات التي تتوخى تحقيق الربح الجماعي، والتفاعل الإيجابي بين صانع الخطاب الإعلامي ومتلقي المواد الإعلامية من خلال المواكبة والتتبع، وربط التنمية الاجتماعية بمجال الحفاظ على البيئة، والمجال يبقى مفتوحا لتقديم اقتراحات وتصورات أخرى في هذا الإطار.

كما أن إصلاح المجتمع وتأهيله للانخراط في التحديات التنموية الكبرى، لا يقتصر على إصلاح الأفراد من الناحية الفكرية، وإنما ينبغي أن يتم أيضا من خلال إصلاح العلاقات الاجتماعية. فالعلاقات التي تربط بين الأفراد ينبغي أن تكون منتجة ومدرة للربح المشترك رغم الاختلاف بينهم على مستوى الإمكانيات والمؤهلات، وكذا على مستوى المعتقدات والقناعات الفكرية والسياسية.

فالأفراد لا يمكنهم أن يكونوا نسخة طبق الأصل من بعضهم البعض، ولا يمكن أن تكون لديهم دوما نفس المرجعيات الفكرية والخلفيات الثقافية والتقديرات في اتخاذ القرارات الفردية، ولكن يمكنهم أن ينخرطوا كلهم ضمن نفس المشروع التنموي الذي يمكن أن يعود عليهم بالنفع جميعا. وهنا يمكن الاستشهاد ببعض المشاريع التنموية التجارية التي تشهدها عدد من الأحياء في بعض البلدان الأوروبية، حيث تنشط بعض التعاونيات في مجال بيع منتجات غذائية بأثمنة بسيطة للساكنة، ويشارك في هذه التعاونيات أفراد من جاليات مختلفة، وبالخصوص الفئات الهشة، التي تتحول إلى طاقات فاعلة في مجال التنمية الاجتماعية بدل ارتكانها للاتكالية ولاستجداء الإعانات والتوسل في الأزقة والشوارع. وتساهم وسائل الإعلام في التعريف بهذه التعاونيات والتعاضديات، والإعلان عن منتجاتها، وفق الضوابط المهنية المتعارف عليها في مجال الإعلان والإشهار، وبعيدا عن أساليب التزييف والخداع والنصب والاحتيال..

كما أن الدور التنموي للإعلام ليس هو الانغمار فقط في وصف الأعطاب والمساوئ الاجتماعية من خلال نشر وتصوير حالات الاحتقان والتوتر داخل المجتمع، بل يتجاوز ذلك إلى تقديم تصورات حول الإمكانيات التي تتيح الانخراط في عمليات الإصلاح والتطوير.. ولتحقيق هذا الغرض، لابد من أن تطور وسائل الإعلام أساليب اشتغالها، وأن تواكب التجارب التنموية العالمية الناجحة، عبر مواد إعلامية مؤثرة شكلا ومضمونا، وفق منظور علمي، وبناء على خطوط تحريرية تقوم على القيم الإنسانية النبيلة وروح المواطنة….
وهذا ما كان.

بقلم: أحمد الدافري

التعليقات على الدافري يكتب: إعلام جديد لأي نموذج تنموي جديد..؟ مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول

تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…