مشاهدات يكتبها ذ. الرحيبي اليوم: الأمّية والجهل السبب في استئساد الدعاة والفقهاء وترويجهم للخرافات والأساطير

سمعتُ مقطعاً من ڤيديو يُروّج فيه المسمّى المُقرئ أبو زيد ، بأن الأوروبيين والأمريكان واليابانيين وغيرهم يسجلون أرشيڤاتهم باللغة العربية وحدها لأنها اللغة الوحيدة التي لا تتغير معاني ألفاظها . فهل هذا صحيح ؟ وهل هذا موقف علمي أم إيديولوجي وسياسي يخاطب الوجدان بأسلوب خطابي un style oratoire بيّن ؟

إن هذا احتقار للغة العربية واتّهام واضح للعرب بأنهم لم يتغيّروا منذ الجاهلية . ذلك لأن اللغة وعاء للفكر وحامل له un véhicule . وإنعكاس عن الواقع . فكلما تغير الواقع سياسياً وفكرياً ودينياً وإقتصادياً وإجتماعياً ، تظهر معاني جديدة ، أو ألفاظ جديدة تستطيع التعبير عن واقع متجدّد وسريع التغيّر والتطور . والقرآن نفسه يحمل ألفاظاً كثيرة ليست من أصل عربي بل من لغة فارسية وهندية وسريانية ، مثل زنجبيل وسلسبيل ووزير وأبّ وجحيم وجهنم gehenne وجنة عدن gan eden وفردوس paradise . وحور العين أي العنب الأبيض وغيرها .

كيف لا نؤمن بتطور معاني العربية وقد تطورت فعلاً بفضل الإسلام لتخرج المعاني من سياقها اللغوي الجاهلي : المعنى اللّغوي والمعنى الإصطلاحي . وهكذا إختلف الأنصار والمهاجرون حول معنى الإمام عند صراعهم حول من من حقه خلافة النبي الكريم وهو لا زال مسجّى ولم يُدفن بعد . حين أدلى المهاجرون بحديث : الأئمّة من قريش . لينتفض الأنصار حاصرين المعنى في إمامة الصلاة لا أقل ولا أكثر . بينما رأى آل البيت الإمامة الناتجة عن الوصية والعصمة وما يرتبط بها من شروط . وهذا دليل على تطور اللغة . وكذلك معاني الصلاة والزكاة والصوم والحج لغةً أي في الأصل والجذر ، وإصطلاحاً convention أي ما جدّ من معنى . ثم معنى الكبائر كذريعة سياسية لقتل الخلفاء ، أي مرتكب الكبيرة . هل يفهم الجاهليون هذا المعنى في سياقه الديني الإسلامي ؟ وإشكالية الحرية في الفعل والجبر والقدر . لدى الفرق الكلامية . وكذلك التوحيد بمعناه الكلامي القياسي لدى المعتزلة .

عند إستعمال مفاهيم des notions مثل الزمان والمكان والجزء الذي لا يتجزأ atome والجوهر والعرَض والبداية والنهاية والنسبي والمطلق . هل يفهم الجاهليون وصدر الإسلام والتابعين هذه المعاني ؟ وعند ظهور الفلسفة ودخول مذاهب بحالها لتظهر مفاهيم مثل الهيولى والوجود بالقوة والوجود بالفعل وواجب الوجود بذاته ، وواجب الوجود بغيره ، والممكن والضروري ، والماهية والهوية وعدم التناقض والثالث المرفوع والعلّة …..والأسلوب الخطابي والجدلي والبرهاني . والقياس أي قياس الغائب على الشاهد والفيض والعقل والمادة والصورة .

وفي عصرنا الحديث وما ظهر من مصطلحات ومفاهيم في مجال السياسة كالديموقراطية والبرلمان والأحزاب والإنتخاب وصناديق الإقتراع والسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية . والثورة . والحملة الإنتخابية والصمت الإنتخابي . والتضخم المالي وبرميل النفط والبورصة ومؤشرات داو جونز ؟ وفي العلوم الخلية والهورمون والغدة والحيوان المنوي والبويضة والجينة والكروموزوم والكريات الحمراء والبيضاء والبلازما والبطين والأذين . وفي الجيولوجيا الصفائح التكتونية وتزحزح القارات واللّاڤا والصهارة البركانية . والغلاف الجوي الأطموسفير والسراتوسفير والميزوسفير والتربوسفير وطبقة الأوزون والضغط الجوي المرتفع والمنخفض والتيارات الهوائية والضغط الجوي …. أليس كل هذا تطوراً للغة ؟ وفي الرياضيات المعادلات والمجموعات والدوال . وفي الكيمياء والفيزياء والأنترنيت chatter naviguer messenger wats’up وتويتر وفايسبوك . هل ظلت اللغة العربية جامدة وتصلح فقط لتدوين الماضي ؟
ولغة قانون السير وما تحتويه من معاني ومصطلحات جديدة . ولما نقول أعطاه الضوء الأخضر donner le feu vert هل يفهمها القدماء ؟ والمحرك moteur وكل ما يتعلق به من مصطلحات وأجزاء ؟
إن اللغة التي لا تتغير معانيها وألفاظها يكون مآلها الفناء والموت والانقراض ! فكفىى استهزاءً بعقول وأفكار العوامّ !