في الذاكرة.. مصطفى سلمات “البوهالي” الذي ضحى بالخطوط الجوية من أجل المسرح
الجديد نيوز: إعداد أسامة بيطار
في أكتوبر 1965، كان قد اجتاز ما وصفه في بوح صحافي سابق ب “شبه امتحان” من أجل الولوج إلى شركة الخطوط الملكية المغربية. وهي المباراة التي اجتازها بنجاح، لكنه عوض أن يلتحق للعمل بهذه الشركة، فضل المسرح والانغماس في عوالمه، سَبِيلُه إلى ذلك رفيق دربه وأستاذه الفنان الطيب الصديقي..
إنه الفنان الراحل مصطفى سلمات الذي شكل رفقة الصديقي نموذجا للصداقة الفنية والإنسانية الصادقة التي امتدت لأكثر من نصف قرن دون أن تشوبها شائبة.
كان مصطفى سلمات حاضرا في كل أعمال الصديقي، بل كان كما يعلم ذلك جميع أهل الفن، والمسرح على وجه الخصوص، بمثابة “رجل المهمات الصعبة في كل ما يتطلبه إنجاز عمل مسرحي، حتى ولو تعلق الأمر بالديكورات والأكسسوارات والعلاقات العامة، لما اتسم به سلمات من حسن الأخلاق والتسامح والصبر على المكاره مهما كان مصدرها”.
لذلك قال الصديقي ذات لحظة اعتراف بزميله في عالم الفن ورفيق دربه في الحياة إن «الفنان مصطفى سلمات كان بالنسبة لي شخصيا هو أكبر ممثل في العالم العربي وذلك للعديد من الاعتبارات، أولها احترامه الكبير لمهنته وانضباطه الشديد”، ليضيف “لم أسجل أدنى مشكل يذكر في حق هذا الفنان على امتداد سنوات ممارسته الطويلة للتمثيل، وكدليل على ما أقول أن مصطفى سلمات يحترم وعوده ومواعيده، ومعروف عن هذا الفنان كذلك حفظه لدوره قبل الجميع، وبالنسبة لي يعد من كبار الممثلين في العالم العربي أحب من أحب وكره من كره».
يقول الراحل سلمات عن مرحلة البداية في حكي إعلامي: «فكَّرت مليّا، هل سأنقطع عن الدراسة بصفة نهائية وأتفرغ للمسرح، أم أَلتحق بالتوجيهي، وبالتالي بمدرسة تكوين المعلمين أو بكلية الحقوق، لكن والِداي لم يقبلا فكرة مغادرتي لمدينة الدار البيضاء، إذ كنت وحيدهما بمعية شقيقتي بقيت في حيرة من أمري، خصوصا وأن المسرح في تلك الفترة لم يكن يشكل هاجسا أساسيا بالنسبة إليَّ، بل كان مجرد هواية”.
ويضيف سلمات “قبل التحاقي بالخطوط الملكية المغربية بيوم واحد، كنت مارا بجانب قاعة المسرح، حيث كان هناك الصديقي، وتساءلت مع نفسي لماذا لا ألتقي به، بالفعل دخلت “المسرح” فسألني الطيب الصديقي ماذا أنوي فعله، فحكيت له كل شيء، إذ ذاك طلب مني الالتحاق بالمسرح، علي أساس أن أكون متدربا في البداية”.
ورغم هذا العرض – يقول سلمات – بقيتُ في حيرة من أمري، إذ كنتُ بين خيارين اثنين: إما مزاولة المسرح أو الالتحاق بالكلية أو الانخراط في العمل الوظيفي في الخطوط الملكية الجوية.
كان الخيار صعبا، فإما أن أقنع والدي بعدم الجدوى من هذه الوظيفة، التي كانت بفضل تدخّل بعض معارفي، وبالتالي التضحية بعالم المسرح، وإما أن أقبل عرض الطيب”.
يقول سلمات “في اليوم الذي كان مقررا فيه الْتحاقي بالوظيفة، أيقظتني والدتي مبكرا، وهيأت لي وجبة الفطور داعية لي بالقبول، ذهبت إلى مكان الحافلة التابعة لشركة الخطوط الملكية، لكي تقلّني الى المطار، وحين وصلتْ الحافلة، انتباني شعور غريب، وتراجعتُ بسرعة عن فكرة التوظيف الذي علق عليه والداي آمالا كبيرة، وتوجهت عند الطيب الصديقي الذي سألني ماذا فعلت، فقلت له: “لكار مشى”، من تلك اللحظة انخرطت معه كمتمرن.
يشير سلمات في بوحه عن مرحلة البدايات إلى أنه “في الوقت الذي كانت فيه الفرقة تتمرن على مسرحية (مدينة النحاس)، أَوْكل لي الطيب الصديقي دوره “البوهالي”، بحكم انشغالاته كمدير للمسرح، وهكذا بدأت أتمرن على هذا الدور الذي كان كبيرا ومهما بالنسبة إلي خاصة أمام عمالقة آنذاك، فقلت للطيب الصديقي سأحاول أداء هذا الدور، فرد علي: “ما كاينش المحاولة”.
تحكي مسرحية “مدينة النحاس”، عن مدينة (الفايزة) التي تهدمت فالتجأ إليها عاملان كانا يشتغلان بالمدينة، وتحكي أيضا أن أحد العاملين كان يطالب بحقوقه كاملة بينما الآخر يتملكه الخوف والوجل، وغير قادر على التعبير عما يخالج صدره من ظلم وجور، حين يتم الوصول إلى هذه المدينة، يكتشف العاملان وجود رجل مُعاق بمعية ابنته، تقٌوده خادمته على كرسي متحرك، ورجل آخر “بوهالي”، فأصرّ العاملان على اكتشاف أسرار هذين الرجلين، وهُنا يبدأ الصراع على أشده ما بين “البورجوازية” و”الطبقة الكادحة”.
“فالبُوهالي” في الأصل هو صاحب الأرض، وقد تمّ انتزاعها منه غصبا، في حين أن الرجل المعاق يحيل على البورجوازي الذي لايقدِر على الحركة إلا إذا كان هناك من يساعده”… هكذا لخص سلمات أحد أهم أدوار بداياته المسرحية.
سلمات رفقة محمد الأشعري عندما كان وزيرا للثقافة
بدأ الفنان الراحل “مصطفى سلمات” المسرح وهو تلميذ بمدرسة التعليم الابتدائي بالدارالبيضاء سنوات الستينيات، وفي أنشطة نوادي الأحزاب الوطنية ودور الشباب والثقافة، حينما كانت توجد دار ثقافة واحدة في المدينةالقديمة..
وبعد انتقاله إلى مستوى التعليم الثانوي، سيدخل مصطفى سلمات إلى المعهد المسرحي وهو ما سيفتح له إمكانية أن يلتحق بفرقة مسرح الطيب الصديقي، وفرقة المعمورة الذائعة الشهرة والصيت آنذاك، ثم مع فرقة مسرح اليوم رفقة المسرحية ثوريا جبران..
لم يكتف مصطفى سلمات بالتمثيل على الركح، بل مارس الإخراج المسرحي، كما اشتغل في الدراما التلفزيونية وفي السينما.
انضم سلمات إلى فرقة الطيب الصديقي منذ تولي هذا الأخير مسؤولية تدبير شؤون المسرح البلدي بالدار البيضاء، وكان حاضرا كممثل رئيسي في أهم أعمال المسرحية لفيلسوف المسرح المغربي، وكذا في فيلمه السينمائي الوحيد «الزفت». وكانت «مدينة النحاس» أول مسرحية لعبها سلمات خلال سنة 1965 مع الطيب الصديقي، وعلى ركح المسرح البلدي.
وبالنسبة للتلفزيون، شارك مصطفى سلمات في «الأب العجوز» و”زهور وقدور”، وأعمال كثيرة، حيث عرف رحمه الله بعمله الغزير مع المخرجة فريدة بورقية التي شارك معها في أغلب أعمالها التلفزيونية، حيث كان يتحدث بفخر عن هذه التجربة المتميزة والفارقة في مساره الفني إلى جانب هذه المخرجة التي طالما أكد في تصريحاته الصحفية وخرجاته الإعلامية أنها كانت أعمالا جيدة. ومن بينها «عز الخيل مرابطها» و«حوت البر» و«الدار الكبيرة» و«جنان الكرمة» و«عبد الرحمان المجذوب»…
وفي المسرح أبدع وتألق الفنان الراحل مصطفى سلمات في العديد من الأعمال المسرحية المغربية الخالدة في وجدان جمهور المسرح وذاكرة المهتمين والمشتغلين بأب الفنون، كمسرحيات «سلطان الطلبة» و«عطيل» و «أبو حيان التوحيدي» و «المقامات» و«الغفران»… وهي أعمال، قال عنها المسرحي مصطفى سلمات، بأنها «إبداعات لا تنسى، ولا تموت».
كان لمصطفى سلمات مشاركات مسرحية إلى جانب مسرحيين عرب في بلدان عربية، كالفنانة السورية نضال الأشقر، ومن خلال جولات وعروض مسرحية من بينها «المقامات» في العراق وسوريا والأردن، إضافة إلى أعمال من المسرح العالمي.
ولم يقتصر عمل سلمات في المجال الفني على المسرح والتلفزيون بل استهوته السينما والشاشة الكبرى، إذ تعامل مع أغلب المخرجين السينمائيين المعروفين في الساحة الفنية المغربية، من قبيل: حسن بنجلون، محمد إسماعيل، عبد الكريم الدرقاوي ومصطفى الدرقاوي.
قدم سلمات العديد من الأدوار في المجال التلفزيوني، فقد كان أحد أبطال سلسلة «حكايات من الفلكور»، التي كان من أشهر حلقاتها «للا غنو»، التي أخرجها المصري يسري شاكر لفائدة القناة «الأولى» في سنوات السبعينيات، ولعب بطولتها نخبة من الممثلين من بينهم الشعيبية العدراوي وثريا جبران وسعاد صابر.
وشارك إلى جانب الفنانة نعيمة المشرقي في سلسلة «ألف لام» التي تواصل عرضها لسنوات على قناة «الأولى» وكانت من بين الأعمال التي حظيت بنسبة مشاهدة عالية.
وبعد مسار حافل انتقل إلى عفو الله ذات مساء من يوم اثنين بمدينة الدارالبيضاء الفنان والممثل مصطفى سلمات عن عمر يناهز 67 عاما بعد معاناة مع مرض شرس نهش جسد الفنان الذي طالما تحرك بحيوية على المسرح وعبر شاشتي السينما التلفزيون، من أجل إدخال البسمة على المشاهد المغربي ليرحل في صمت بعد أن نال منه هذا الداء الخبيث، ورغم ذلك حافظ الراحل على تفاؤله وأمله في الشفاء، حيث طالما ردد: «ما كرهتش نموت فوق الخشبة»، بعد أن كان توقف عن ممارسة أنشطته الفنية، مضيفا أن “وضعيته الصحية الحرجة هي ما جعله يبتعد مضطرا في هذه الفترة عن الساحة الفنية”.
وكان الشريط التلفزيوني «الزمان العاكر» للمخرج محمد السباعي، والفيلم السينمائي «دوار الكلاب» للمخرج مصطفى بلخياط، من الأعمال التي كان الراحل مصطفى سلمات شارك فيها قبل توقفه عن العمل الفني بسبب محنته الصحية.
البريد الالكتروني:
Aljadidnews.oussama2020@gmail.com
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…