الطيب الصديقي.. فيلسوف المسرح وبديع الركح المغربي (3/1)
الجديد نيوز: إعداد أسامة بيطار
يوصف الفنان الراحل “الطيب الصديقي” أنه كان “حالة مسرحية وفنية بديعة يمكن تناول مساراتها الابداعية من مداخلَ عدة”.. وهو قول لا يجانب الصواب لأن كثيرا من المحطات والأعمال والإبداعات تسند هذا الوصف وتؤيده..
فهو كما قال عنه أحد النقاد: “مخرج مسرحي مجدد، سينوغراف مكرَّس، مدير فني وإداري، مترجم، شاعر، مؤلف، دراماتورج، ممثل ورسام كاليغرافي…”، ولأنه رحيله بعد مسيرة غنية كان خسارة كبيرة للمسرح المغربي والعربي بشكل خاص، والعديد من أوجه الفن بشكل عام.
هنا وفي سياق ركن (في الذاكرة)، سنعمل على إلقاء الضوء على بعض من محطات الفنان الطيب الصديقي المسرحية، التي يعتبرها دارسو سيرته الفنية بمثابة منعطفات لمقارباته الجمالية المهمة والتي تحتاج إلى كثير من التأمل وسبر المخزون الذي تركه واحد من أعمدة المسرح المغربي والعربي.
بعد حصول الطيب الصديقي على شهادة الباكالوريا، وفي خضم بحثه عن مباراة تخول له التكوين في مجال الهندسة المعمارية التي عقد العزم على دراستها، عثر الطيب الصديقي (صدفة) في إحدى الجرائد على إعلان حول تدريب الفن المسرحي الذي نظمته مصلحة الشبيبة والرياضة عام 1954، والذي كان من بين مواده “الهندسة المسرحية”.. جذبته كلمة الهندسة ليتقدم للمشاركة في التدريب الذي مكنه من الانضمام إلى فرقة التمثيل المغربي وليلعب في مسرحية “عمايل جحا” عام 1956 أول دور في مساره المسرحي والذي لم يسند إليه – كما يروي الصديقي – إلا (صدفة) أيضا، حيث عوّض فقط الممثل الأصلي في هذه المسرحية الذي حال المرض بينه وبين تشخيص دور جحا.
قُدمت المسرحية في مسرح الأمم بباريس ونجح العرض. بعدها ولاستكمال تكوينه في المجال المسرحي شارك الصديقي في تدريب (بالمركز المسرحي لغرب فرنسا) بإدارة “هوبير جينيو”. وقام أيضا بداية عام 1957 بتدريب كمساعد للمكلف بالمحافظة العامة في (المسرح الوطني الشعبي – TNP) بباريس الذي كان يديره أنذاك المخرج الفرنسي المعروف “جان فيلار”. ليستكمل خبرته في المدرسة العليا لستراسبورغ (ESS).
ولهذا يرى النقاد ممن تابعوا مسار فنان مبدع وملهم أنه “ليس صدفة أن يكون هذا المبدع واحدا من رواد ومؤسسي الحركة المسرحية في المغرب، فقد كان شغفه بالمسرح والثقافة وحبه للفنون عامة يفوق كل الحدود”.
قال مرة لعبد الله شقرون الذي وثق ذلك في كتابه “حياة في المسرح”: (هل نحن عاجزون عن وجود عمل يُدر علينا قوتا هنيئا، وعيشا كريما، وراحة أعصاب (…) هل تراني يا عبد الله غير مستطيع الحصول على عمل يقيني شرّ المتاعب والشحناء..؟ – ولكن هل أقدر..؟
إن أرض الله واسعة، لكن خدمة بلادي بالوسيلة التي أعرفها، وسيلة التشخيص الفني والتمثيل المسرحي التي تشدني إلى هذه المهنة شدّا).
أول مسرحية أخرجها الطيب الصديقي مباشرة بعد عودته من فرنسا إلى المغرب كانت بعنوان “الوارث” التي اقتبسها عن مسرحية (Le Légataire universel) للكاتب الفرنسي جان فرانسوا رينيار. قدمها مع (فرقة المسرح العمالي) التي أسسها بتعاون مع نقابة الاتحاد المغربي للشغل.
سيُخرج بعدها الصديقي مسرحية “المفتش” عن نص (Le Revizor) للكاتب الروسي نيكولاي غوغول، فمسرحية “الجنس اللطيف” عن (L’Assemblée des femmes ) لأريسطوفان، والتي ستكون آخر مسرحية تقدمها (فرقة المسرح العمالي) في الشهور الاخيرة من عام 1959.
في عام 1960 وبطلب من الفرنسي روجي سيليريي، مدير المسرح البلدي بمدينة الدار البيضاء وقتها، سيؤسس الطيب الصديقي فرقة تتخذ من هذا المسرح مقرا لها.
ولن يقتصر الصديقي على الاشتغال مع الممثلين لإنجاز العروض المسرحية فحسب، حيث سيعمل على منحهم داخل فضاء المسرح فرصة التكوين والإطلاع على ثقافة فنية ومعرفية تشمل جميع المهن المسرحية.
سيتخرج من (مدرسة مسرح الصديقي) من خلال الممارسة والتكوين ممثلات محترفات وممثلون موهوبون ومخرجون مسرحيون بل وفرق موسيقية لها أثرها العميق في وجدان المغاربة وتاريخ فنهم المعاصر كمجموعة ناس الغيوان الرائدة وجيل جيلالة وفرقة تاكدة… وغيرهم.
وفي مرحلة (فرقة المسرح البلدي) قدم الصديقي مجموعة من المسرحيات: مسرحية “قصة الحسناء” عن “الليدي كوديفا” لجان كانول، مسرحية “مولات الفندق” عن “رحلة شونغ لي” لساشا كيتري، مسرحية “محجوبة” عن “مدرسة النساء” لموليير ومسرحية “في انتظار مبروك” عن “في انتظار غودو” لصامويل بكيت و”فولبون” لبين جونسون.
سيغادر الطيب الصديقي وفرقته بناية المسرح البلدي في مارس 1962. ليؤسس فرقة مسرحية تحمل اسمه ويقدم رفقتها عرض “المصادفة” مقتبسا عن “لعبة الحب والمصادفة” لماريفو، ويخرج مسرحية “حميد وحمّاد” من تأليف المسرحي المغربي عبد الله شقرون، و”مومو بو خرصة” التي اقتبسها عن “آميدي أو كيف التخلص منه” ليوجين يونيسكو.
كان الصديقي يعمل من خلال اقتباساته على توفير أرضية مسرحية صلبة خليقة بان تجعل منه على مستوى التجربة – إضافة إلى تكوينه الرصين – رجل مسرح متمرس بالكتابة والإخراج والسينوغرافيا والتمثيل والإدارة.. وأن يساهم أيضا في ضخ الريبرتوار المسرحي المغربي الناشئ بالعديد من النصوص العالمية والأسماء المسرحية المعروفة والمهمة من مختلف المدارس والتيارات المسرحية.
في أول موسم بعد عودته إلى بناية المسرح البلدي، الذي عين مديرا له هذه المرة عام 1965، وبعد أن راكم من الاقتباسات والاشتغالات التجريبية وتوظيف مختلف معارفه المسرحية على الخشبة سيُخرج الصديقي في أكتوبر 1965 “سلطان الطلبة” لعبد الصمد الكنفاوي، وهي مسرحية تستدعي واحدا من الفرجات الشعبية المغربية ارتبطت بطلبة جامعة القرويين وتعود بدايتها إلى عهد السلطان مولاي رشيد في القرن السابع عشر. بعد هذه المسرحية سيقدّم الصديقي على خشبة المسرح البلدي لأول مرة مسرحية من تأليفه بعنوان “في الطريق” وسيعيد تقديمها بعنوان “سيدي ياسين في الطريق” وهي المسرحية نفسها التي سيحولها بعد العديد من السنوات إلى فيلمه السينمائي المعروف “الزفت” عام 1983.
البريد الالكتروني:
Aljadidnews.oussama@gmail.com
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…