مشاهدات ذ. الرحيبي: ذكريات من الزّمن الجميل .. دفتر الأسد وأشياء أخرى
بقلم: حسن الرّحيبي
كنانيش مغربية قديمة، أبرزها دفتر الأسد الذي كان مطلوباً في الخمسينيات والستّينيات لجودته العالية. لم يكن يتجاوز ثمنه ثلاث ريالات. ومع ذلك لم نكن نستطيع مُفاتحةَ آبائنا لشرائه، بل كنّا نتحايلُ كي نمهّد مساءَ الأحد بالتّدريج بأن دفتر الإِخلاق (هكذا كنتُ أنطقها) انتهى.. لتتلقّى صفعةً قوية: علاش دغية كمّلتيه ؟ ما دّيش ليه. دوز تگعد على راسك اسرح بهايمكم ..
في الأخير يناولونك ورقة بيضاء تُغلّف قالب سكّر النّمر . اكتب في هذي حتى يحنّ الله.. أو ادّي جوج بيضات لبلّهلالي يعطيك كُنّاش !
دفاتر أخرى لا زلتُ أتذكّرها من ذلك الزمن الجميل : cosmos الصاروخ الروسي الذي صعد للقمر وداخله الكلبة لايكة سنة 57 . وسبوتنيك spoutnik . كانوا يريدون منّا أن نصبح روّاد فضاء أو علماء.. رغم افتقادنا لأتفه الأشياء، وتهديد آبائنا لنا بشكل مستمر بإخراجنا للحقول والمراعي.
وكُنّاش الشّجاع le bravoure الذي ينبعث بسيفه وفرسه وقد أشرقت شمس الصباح من خلف ربوة جميلة.. وكنّاش ولدي oualadi وسندباد البحري…
كانت محافظنا البئيسة خفيفةً للغاية إلّا من ريشتيْن: واحدة للعربية وأخرى للفرنسية، وقطعة صغيرة من الطّباشير، وممحاة زرقاء انتزعناها بأسنانا من طرف صندالة الصّبُع المشدودة بدورها بسلك نبحث عنه قرب حانوت عبد الله السّيكليس.. ربما تمنّوا نزع لقب “سي” ليبقى فقط “كليس”.
لأنّ سّي لا تُقال سوى للميسترو (المعلّم) أو عندما نتبع الغنم : بعضنا يخاطبها : سّكَرّي . والبعض الآخر يناديها سّي.. بالإضافة لقراءة انفصلت أوراقها عن هيكلها وكأن كلاب الدوار باتت تعبث بها ليلاً وتنهش أطرافها.
في مثل هذه الظروف كنّا نستيقظ مبكّراً لنجد معلّماً يعاني بدوره من غربة فراق أهله في واد زمّ أو خريبگة.. يعثر بصعوبة على بيت بئيس يأويه، لا ماء ولا كهرباء ولا وسائل تساعده على تحضير دروسه وتهييئها.
لا يجد أمامه سوى عُلَب السردين الجاهزة والباردة يلتهمها صحبة خبزة لذيذة يقتنيها ب “ستّ ريالات” من عند هنية الخبّازة أطال الله في عمرها..
تداهمه لجنة مكوّنة من المدير والمفتّش ورؤساء أقسام أتوا من مدينة الجديدة.. يلملم المعلّم شفتيْه وهو لازال متلمظاً يفرك أسنانه الأمامية بلسانه.. ويمسح يديه بأطراف سرواله المتّسخ..
يلتفت إلينا المدير لائماً : أشمّ رائحةً كريهةً لكنها لا تنبعث من التلاميذ، بل من مصادر أخرى.. نستنتج أنه يقصد المعلم المغلوب على أمره : لا أسرة ولا مسكن ولا متاع سوى ما حمله في دماغه من قواعد الحساب والنحو والصرف..
ومع ذلك يتلقّى إنذاراً أو توبيخاً يهدد مستقبله ومعيشته.. بعضهم طُرد تعسفاً كما وقع لسقراط وسي عزوز.. لا زلتُ أتذكّر طواف سُقراط الخريبگي على الخيام ليلاً مستعطفاً توقيع الآباء لملتمَس بإعادته لعمله لأنه لم يرتكب جُرماً في حق أحد، هو الذي كنا نراه يلكم الجيلالي ولد السي بوبكر بعنف، محاولاً إخراجه من قلب الصاكّة. كما كان ربما يقصّص سنابل الكيف ويتناولها خلال الاستراحة..
بعضهم كان عندما تلحّ عليه الحاجة للتدخين يقفز عبر نافذة تؤدي به نحو المدّاحية.. يتركنا صامتين وعندما يعود يجدنا على نفس الحال.. لا نحرّك ساكناً وإلّا تعرّضنا جميعاً لضربة قوية بقطعة خشب انتزعها من طاولة مهترئة تكاد تتكسر من جرائها ضلوعنا الواهية أصلاً ..
لا نعرف أين يخبّئ رائحة دخان كازا سبور..! إذ لم نعرف أنه يدخّن إلّا بعد انتقالنا لسيدي بنور.. فيبوح لنا أحد التلاميذ الكبار بأنه ضبطه يدخن ولم يستطع قول أي شيء خوفاً من الضرب والقمع.. وربما الطرد النّهائي .
كان معلماً بارعاً في النحو والصرف والشكل واللغة عامةً.. وأيضاً بارعاً في التخفي والتستر عملاً بقول النبي: إذا ابتليتم فاستتروا..!
أتقنها بنجاح كبير.. !
لا زلتُ أذكر سماعنا لهدير درّاجته النارية وهو يشغّلها داخل منزله بأعماق دوار بعيد فتقشعرّ أبداننا، وترتعد فرائصنا من شدة الخوف والترقب.. وكأن كارثةً ستحل بنا، أو لربما سيُنفخ في الصور إيذاناً بيوم الحساب.. !
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…