في الذاكرة: محمد الحبشي.. حلاق درب الفقراء الممثل العملاق الذي انتهى فلاحا
الجديد نيوز: إعداد أسامة بيطار
Aljadidnews.oussama2020@gmail.com
انطلقت تجربة محمد الحبشي (1939 – 2013) في التشخيص المسرحي منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، في إطار الفرق المسرحية الهاوية بدرب السلطان، قبل التحاقه بالمركز المغربي للأبحاث المسرحية بالرباط بعد اجتيازه لمباراة نظمتها وزارة الشبيبة والرياضة.
وعن أول وقوف له أمام كاميرا السينما، يقول الباحث محمد سجلماسي، إنه كان سنة 1959 الى جانب زميله الممثل عبد الرحيم اسحاق في الفيلم القصير “بوخو النجار ” من إخراج أب السينما المغربية محمد عصفور (1927-2005).
بعد تخرجه من معهد الرباط سنة 1961 شارك الحبشي مع فرقة البدوي في بعض مسرحياتها قبل أن يلتحق بفرقة المعمورة الذائعة الصيت خلال الفترة ما بين 1966-1976، ويتألق في العديد من مسرحياتها الناجحة، إلا أن عمر هذه الفرقة الوطنية لم يكن طويلا اذ سرعان ما تشتت أعضاؤها بعد عقد من العمل الدؤوب، فاستقدمه رائد المسرح المغربي الطيب الصديقي إلى فرقته بالمسرح البلدي للدار البيضاء حيث شخص أدوارا مختلفة في جل مسرحياته.
ويقول سجلماسي إنه “يمكن اعتبار الدور الصغير الذي قام به الحبشي كممثل محترف في فيلم (لورانس العرب) سنة 1962، الذي صوره المخرج الانجليزي “ديفيد لين” جزئيا بالجنوب المغربي بمشاركة ثلة من الممثلين المغاربة كحسن الصقلي (المزداد سنة 1931 والمتحولين سنة 2008) والطيب الصديقي وعبد القادر البدوي والبشير سكيرج وغيرهم الى جانب الممثلين الكبار من قبيل “بيتر أوتول”، و”أنطوني كوين” وعمر الشريف بمثابة أول دور حقيقي له في السينما العالمية.
يذكر أن الريبيرتوار الفني لمحمد الحبشي ، المتوفى بالدار البيضاء يوم 21 نونبر 2013 بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، زاخر بالمسرحيات والملاحم الوطنية وبعض الأعمال التلفزيونية المغربية والعربية وبالعشرات من دبلجات الأفلام الهندية والفرنسية والأمريكية وغيرها (مع الرائد ابراهيم السايح في استوديوهات عين الشق بالدار البيضاء) وباثنى عشر (12) فيلما سينمائيا فقط. ويقول الباحث سجلماسي إنه “يكفي أن نشير إلى بعض عناوين فيلموغرافيته السينمائية لندرك قيمته الفنية والبصمة التي بصم بها حضوره كممثل عملاق في أفلام أصبحت تشكل علامات بارزة في تاريخنا السينمائي، فمن من متتبعي الابداع السينمائي المغربي لا يذكر أفلاما من قبيل “ليالي أندلسية” من إخراج القيدوم العربي بناني سنة 1963، الذي شخص فيه محمد الحبشي دورا متميزا الى جانب عبد الله العمراني وعبد السلام العمراني وآخرين…
ومن منا يمكنه بسهولة نسيان فيلم “شمس الضباع” من إخراج التونسي المتمكن رضا الباهي سنة 1974، والمصور بالمغرب بمشاركة ممثلين مغاربة كصلاح الدين بنموسى، العربي الدغمي (المزداد سنة 1931 والمتوفى سنة 1994) وأحمد العماري (المزداد سنة 1931 والمتوفى سنة 2007)… وغيرهم إلى جانب ممثلين تونسيين والممثل المصري القدير محمود مرسي، حيث أعجب الباهي بتلقائية وقوة أداء الحبشي، ولم ينساه أبدا رغم مرور أربعين عاما على انجاز هذا الفيلم، كما صرح لي بذلك في لقاء بمهرجان سينما الشعوب بايموزار كندر أواخر سنة 2010 (الدورة السابعة/شهر نونبر)”.
ويذكر سجلماسي أنه “من منا لا يتذكر أفلامه الأخرى “رماد الزريبة” سنة 1976، وهو عمل جماعي شارك في انجازه مصطفى وعبد الكريم الدرقاوي وعبد القادر لقطع وسعد الشرايبي ومحمد الركاب وآخرين، و “عرس دم” من إخراج سهيل بنبركة سنة 1977، و “السراب” من إخراج المبدع أحمد البوعناني سنة 1979، و”تاغونجة” من إخراج عبدو عشوبة سنة 1980، و”44 أو أسطورة الليل” من إخراج مومن السميحي سنة 1981، و”حلاق درب الفقراء” من إخراج محمد الركاب سنة 1982 و”بامو” من إخراج ادريس المريني سنة 1984…
محمد الحبشي من مواليد الحي الشعبي درب السلطان (بوشنتوف) بالدار البيضاء ، ترجع أصوله إلى أولاد حريز ، أبوه كان فلاحا يمتلك بضعة أراضي بنواحي مدينة برشيد.
تابع دراسته الابتدائية بالمدرسة المحمدية والثانوية بمعهد الأزهر بمسقط رأسه، لكن سرعان ما جذبه فن التشخيص فتوقف مبكرا عن متابعة الدراسة.
التحق سنة 1958 بالمركز المغربي للأبحاث المسرحية بالرباط، وهو المعهد الوحيد آنذاك المتخصص في تكوين الممثلين تحت وصاية وزارة الشبيبة والرياضة، وقد تلقى فيه دروسا نظرية وعملية أكاديمية لمدة ثلاث سنوات على يد أساتذة كبار كأندري فوازان وعبد الصمد الكنفاوي (المزداد 1928 والمتوفى سنة 1976) وشارل نوك وأحمد الطيب لعلج (المزداد سنة 1928 والمتوفى سنة 2012) والطاهر واعزيز (الذي توفي أواخر سنة 2013) والراحل عبد الله شقرون وغيرهم، إلى جانب زملائه مصطفى منير وعبد الرحيم اسحاق وعزيز موهوب وعبد الله العمراني ومليكة العماري وعبد السلام العمراني وفاطمة الركراكي وزكي الهواري وزهور المعمري وفاطمة بنمزيان وآخرين … والذين أصبحوا فيما بعد من كبار ممثلي المسرح والسينما والتلفزيون بالمغرب.
في هذا المعهد أظهر محمد الحبشي أنه ممثل موهوب من خلال التداريب على أشهر نصوص المسرح الكلاسيكي من توقيع موليير وشكسبير وغيرهما والمشاركة أثناء الدراسة وبعدها في مسرحيات حققت نجاحا كبيرا داخل المغرب وخارجه.
لقد كانت معاناة الحبشي كبيرة ، أولا من الشروط الصعبة والمجحفة التي كان يمارس فيها عشقه للتشخيص المسرحي والسينمائي والتلفزيوني، وثانيا من معارضة والده لامتهانه فن التشخيص، وما أن تحسنت شروط عيشه نسبيا بفضل ما خلفه له والده من أراضي بمنطقة النواصر بعد وفاته حتى انسحب في صمت من الميدان الفني تاركا الجمل بما حمل ومفضلا التفرغ للفلاحة، ولم تنفع معه الكثير من محاولات المخرجين المقدرين لقيمته الكبرى كممثل ليشارك في أعمالهم باستثناء محاولة الممثلة الكبيرة ثريا جبران التي أقنعته بمشقة الأنفس ليشارك معها في سيتكوم “لاباس والو باس” من إخراج حسن غنجة لفائدة القناة الثانية دوزيم، إلى جانب ثلة من الممثلين الآخرين كمليكة العماري، عبد الوهاب الدكالي وبشرى أهريش وغيرهم…
لقد أوقف فيلموغرافيته بإرادته مباشرة بعد مشاركته سنة 1984 في الفيلمين السينمائيين المغربي “بامو” لادريس المريني و الفرنسي “الحارس الشخصي” لفرانسوا لوتوريي، وبهذا التوقيف فقدت السينما المغربية والأجنبية ممثلا قل نظيره.
يقول الباحث والناقد محمد سجلماسي أن الفنان “محمد الحبشي لم يكن ممثلا عاديا بل كان من طينة الممثلين الموهوبين الذين نادرا ما يجود الزمان بمثلهم، فأعماله تشهد على تفرده، وطبيعة المخرجين المثقفين (خصوصا رضا الباهي ومحمد الركاب وأحمد البوعناني ومومن السميحي) الذين تعاملوا معه في أفلامهم تؤكد أن اختيارهم له كان في محله، فحضوره في أعمالهم أعطاها ألقا خاصا وشكل سببا من أسباب نجاحها الابداعي”.
ويضيف سجلماسي أنه “لايمكن لأي مؤرخ للسينما بالمغرب أن يتحدث عن عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين دون ذكر لهذا الممثل الكبير الذي خلد اسمه من خلال فيلمين رئيسيين على الأقل شخص فيهما دور البطولة بصدق وتلقائية وتمكن قل نظيرها هما “السراب” و”حلاق درب الفقراء”.
عن دوره في فيلم “السراب” حصل الراحل محمد الحبشي على جائزة بالمهرجان السينمائي الوطني (أو المهرجان الوطني للفيلم) في دورته الأولى المنعقدة بالرباط سنة 1982 أو عن دوره في فيلم “حلاق درب الفقراء” بمهرجان وغادوغو ببوركينا فاصو سنة 1983.
وبعد مسار فني مبدع رحل الممثل الكبير محمد الحبشي في يوم خميس بعدما أدى أدوارا في أهم الأفلام في تاريخ السينما المغربية، ومنها فيلم حلاق درب الفقراء للمخرج الراحل محمد الركاب، وفيلم السراب وعرس الدم.
ويعتبر محمد الحبشي من جيل الرواد في السينما المغربية على مستوى التمثيل حيث شارك في الإنتاجات السينمائية خلال بداية نهضة هذه السينما في بداية الثمانينيات في وقت كان المغرب يشهد إنتاج فيلم واحد سنويا، كما شارك في مسرحيات إلى جانب الطيب الصديقي ومسلسلات تلفزيونية.
ورغم مشاركته القيمة في هذه الأفلام، لم يكن محمد الحبشي معروفا كثيرا لدى الجيل الحالي لأنه لم يشارك في أفلام تيلفزيونية إلا ناذرا. وشارك الحبشي في عدد من الأفلام الأجنبية وإن كان يفتخر بمشاركته في فيلم “شمس الضباع” للتونسي رضا الباهي.
إيقاف شخص بأكادير لتورطه في الاتجار في الحشيش وترويج الكحول
تمكنت عناصر فرقة محاربة العصابات التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير، أ…